لم يقتصر الدين الإسلامي على إرشادنا إلى كيفيّة التواصل مع الله سبحانه وتعالى فحسب، بل وضع مجموعة من أخلاقيات تعاملنا مع الآخرين، وحضّنا على حبّ الخير لغيرنا كما نحبه لأنفسنا، وقد قال رسول الله «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحب لنفسه» [رواه البخاري]، ففي ذلك صلاحٌ للأمة، وانعدالٌ لأحوالها، وفي هذا المقال سنتحدث عن بدايات شخصية خيرية جديدة مع العمل الخيري، وهو يسأل الله دائماً أن يتقبل منه، وذلك ضمن سلسلة مقالاتي حول بدايات قيادات العمل الخيري مع العمل الخيري. وقد كان حديثي مع الأخ الفاضل السيد جاسم محمد سعود العون يملأه الارتياح، لأنني كنت أمام رجل يُشعرك بمقدار السعادة الكبيرة التي يشعر بها من خلال أعماله الخيرية التي لم يُفصح عنها بالتفصيل الدقيق واكتفى بالحديث عنها باختصار. وبشأن البدايات يتذكر السيد جاسم العون في أواخر الستينات عندما التحق بالدعوة السلفية وقرر الذهاب لأداء فريضة الحج، وكان له ما أراد في بداية السبعينات، وكان الحج في تلك الفترة يمتد لشهر كامل منها خمسة عشر يوما قضاها في رحاب المدينة المنورة. وفي المدينة المنورة تعرّف بفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله، وكان في وقتها رئيساً للجامعة الإسلامية، وتوطدت العلاقة بينهما مع تكرار الزيارات لفضيلته، وحدثه رحمه الله عن الطلبة المبتعثين إلى الجامعة الإسلامية من الدول الأفريقية، واحتياجاتهم واحتياجات دولهم الفقيرة، ثم التقى اثنين من طلبة الجامعة الإسلامية وهما حسن وحسين من مدرسة طيبة في جزر المالديف. وعندما عاد السيد جاسم العون إلى دولة الكويت بعد أداء فريضة الحج، قام بإصدار تأشيرات زيارة لهم لزيارة الكويت، وذلك لكي يتقدموا بمشاريعهم الخيرية التي تحتاجها بلادهم، وكانوا في أمسِّ الحاجة إلى مدرسة إسلامية في إحدى جزر المالديف، وقام السيد جاسم العون بمرافقتهم وتعريفهم على تجار دولة الكويت التي منّ الله عليها بأهل خير ومحبي عطاء في سبيل مرضاة الله سبحانه وتعالى، وعلى رأسهم كان العم الفاضل بوبدر عبدالله المطوع رحمه الله الذي يعتبره الأخ جاسم العون شيخ المحسنين، وساهم في المشروع وشجع السيد جاسم العون ومرافقيه من الكويتيين على الاستمرار في هذا العمل الخيري، وقام بنفسه بالاتصال ببعض التجار لكي يساهموا في هذا العمل الخيري، وبفضل الله تم إنجاز المدرسة بأموال المحسنين الكويتيين. وتكررت الزيارات إلى المدينة المنورة، وتعرف السيد جاسم العون على العديد من الطلبة المبتعثين إلى الجامعة الإسلامية، خاصة من أثيوبيا، وقدم لهم المساعدة في تنفيذ مشاريع خيرية في أثيوبيا، بعدها قام السيد جاسم العون بزيارة إلى أثيوبيا لكي يطلع على الأوضاع عن كثب، وتكررت زياراته حتى بلغت ثلاث زيارات في السنة وقد تصل إلى أربع زيارات لمتابعة تنفيذ المشاريع التي ساهم وشارك هو ومجموعة من إخوانه في الكويت في الجمع لها لتنفيذها من مساجد ودور للأيتام. بعد تنفيذ العديد من المشاريع الخيرية والدينية في أثيوبيا، اتجه السيد جاسم العون وإخوانه إلى الهند وباكستان من خلال توصية المرحوم بإذن الله أبوعبدالله العميري، حيث كان لديه مشروع بناء مسجد في إحدى قرى الهند النائية والقريبة من الحدود النيبالية، ويتذكر العون زيارته لهذا المدينة (مدو بني) وكم كانت شاقة وطويلة، إذ مكث هو ومن معه ثلاثة أيام في سفر متواصل بين ركوب طائرة إلى ركوب القطار إلى استكمال المسيرة بواسطة السيارة حتى وصل إلى هذه المدينة، وبالفعل بدأ العمل ببناء المسجد، وتكررت الزيارات مع ما فيها من مشقات وصعوبات إلا أن العون لم يكن يشعر بهذه المشقة بقدر شعوره بالسعادة في عمل يقربه من الله سبحانه وتعالى. يتبع في المقال المقبل. د. عبد المحسن الجارالله الخرافي ajalkharafy@gmail.com www.ajkharafi.com
مشاركة :