الإسلاميون يركبون موجة مقاومة الفرانكوفونية في الجزائر

  • 3/18/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الجزائر - تحولت ندوة الولاة (أكبر المسؤولين في المحافظات) الجزائريين ونظرائهم الفرنسيين، المنعقدة في العاصمة الجزائرية على هامش زيارة وزير الداخلية الفرنسية جيرار كولومب للجزائر، إلى منصة لاستعراض المواقف المرجعية والأيديولوجية بين التيار المناهض للهيمنة الفرنسية وبين ما يعرف بـ”حزب فرنسا”، وهو اللوبي الفرانكوفوني الموالي لباريس. وأثارت الأجواء التي جرت فيها ندوة الولاة في العاصمة الجزائرية غضب قطاع عريض من الجزائريين، بعدما أظهرت الصور والتسجيلات هيمنة اللغة الفرنسية على لغة الخطاب والتواصل وتهميش اللغة العربية رغم أنها تدخل في مكونات الشخصية الوطنية والهوية الثقافية التي ينص عليها دستور البلاد. وكان قصر المؤتمرات بالعاصمة قد احتضن اجتماعا موسعا لولاة المحافظات الجزائرية مع نظرائهم الفرنسيين، تحت إشراف وزيري داخلية الجزائر وفرنسا نورالدين بدوي وجيرار كولومب، تمت خلاله إقامة ورشات عمل لبحث قضايا الجذب الاقتصادي وإدارة المراكز الحضرية والأزمات والمخاطر الكبرى وتبادل التجارب والتصورات بين الطرفين. ويسود انطباع واسع في الجزائر، بين التيارات القومية والإسلامية والمحافظين، بأن اللوبي الفرنسي المستحوذ على مصادر القرار في مفاصل الدولة ما انفك يعزز ارتباط البلاد بباريس في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية عبر المفاضلة التي تحظى بها فرنسا في الجزائر. وتحوّلت الأنشطة الرسمية بين البلدين إلى محطات تجاذب قوية بين أنصار التيارات الفرانكوفونية والمحافظة في البلاد، فقد سبق أن وجهت انتقادات سياسية وشعبية حادة للاستقبال الشعبي للرئيسين جاك شيراك في 2003 وفرنسوا هولاند في 2011 خلال زيارتيهما للجزائر. واعتبر المنتقدون أن المظاهر الاحتفالية لاستقبال الرئيسين السابقين استفزت مشاعر المشبعين بتضحيات ثورة التحرير (1954-1962). وذكر رئيس حركة مجتمع السلم (حمس) عبدالرزاق مقري، على حسابه بفيسبوك أنه “أصيب بالدهشة والذهول والهم والحزن من فرط التداخل بين الإدارة الجزائرية والإدارة الفرنسية في اجتماع غير مسبوق، اللسان (لغة التواصل) فيه فرنسي والغلبة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا لفرنسا”. وأضاف، رئيس أكبر الأحزاب الإسلامية في الجزائر، “لقد صار اللوبي الفرنسي في الجزائر مثل اللوبي الصهيوني في الدول الغربية، يخشاه كل صاحب طموح شخصي ويطمع فيه كل بائع لذمته من أجل السلطة والمال والجاه”. ويرى موسى عبدي، البرلماني السابق عن جبهة التحرير الوطني الحاكم، أن “اللوبي الفرنسي هو الذي كان وراء إجهاض مشروع تجريم الاستعمار الذي بادر به في 2006 وحظي حينها بدعم 120 نائبا من الغرفة الأولى إلى جانب مساندة جهات سياسية وأهلية”. ولم يقدم توصيفا دقيقا للوبي المذكور، ولا إلى مدى تغلغله في مراكز القرار على اعتبار أن المشروع أسقط في مكتب رئيس البرلمان السابق عبدالعزيز زياري المنتمي لحزب جبهة التحرير الوطني وبإيعاز من أطراف نافذة في السلطة. محاولات لتوظيف الرفض الشعبي والسياسي للولاء الفرنسي من أجل طرح ولاء جديد، ما يؤسس لصراع انتماءات إلى أقطاب خارجية أكثر من السعي لتحقيق مصلحة الجزائر وتابع “رغم إحياء المشروع في عدة مناسبات إلا أن يقظة ونفوذ اللوبي الفرنسي في البلاد، لا يزالان يحولان دون تحقيق المبتغى للرد على عنجهية الفرنسيين الذين اعتبروا في 2005 بإيعاز من الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي أن دور الجيش الفرنسي خارج حدوده هو دور حضاري وتنويري لشعوب المستعمرات القديمة”. وذهب ناشطون آخرون إلى إطلاق الجبهة الشعبية لرفع الوصاية الفرنسية، بقيادة ضابط الاستخبارات السابق أحمد شوشان، لمقاومة ما يرونه “نفوذ اللوبي الفرانكوفوني في الجزائر في إطار مخطط لتعزيز الارتباط مع فرنسا رغم تحرير البلاد من المرحلة الاستعمارية بعد قرن وثلث”. وعرف عن القيادي التاريخي والمعارض السياسي حسين آيت أحمد قولته الشهيرة “حررنا البلاد ولم نحرر العباد”، في إشارة إلى سياسة ملء الفراغ التي أنتجتها فرنسا بعد استقلال الجزائر عبر بث لوبي موالي من جزائريين في مفاصل الدولة استغل ظروف الاستقلال للتموقع في مختلف القطاعات السياسية والإدارية والاقتصادية والثقافية. وصارت فرص التقارب الجزائري الفرنسي لا تخلو من التجاذبات المستندة لعوامل تاريخية وعدم الحسم في ملفات الذاكرة، فرغم مرور ستة عقود على استقلال الجزائر لا زالت الأجندات الخفية تحكم علاقات البلدين. كما تأسر هذه الأجندات مساعي التحرر من تراكمات الاستعمار، إذ يرى مراقبون أن الثقة المهتزة بين الطرفين سببها تحكّم عقدة الماضي في مصير الحاضر. وانتشر على شبكات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لمحارب جزائري قديم انتقد من خلاله سياسة الإهمال الذي يتعرض له من طرف ”أذناب فرنسا” في الإدارة والتي قال إنها لم تحترم تضحيته أثناء ثورة التحرير. وكرس التسجيل، الذي انتشر بالتزامن مع الجدل المثار حول لقاء الولاة ونظرائهم الفرنسيين، حدة الصراع القوي بين اللوبي الفرانكوفوني والتيار القومي الهادف لإعلاء صوت أحد الطرفين مقابل إلغاء الطرف الآخر. لكن اللافت هو المسعى المشبوه لإسلاميي الجزائر عبر ركوب موجة مقاومة النفوذ الفرنسي في البلاد، من أجل تمرير مخطط الولاء إلى جهات أخرى تقف على نقيض مصلحة الجزائر، حيث خاض رئيس حركة “حمس” حملة دعائية بالنيابة عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال زيارته الأخيرة للجزائر من أجل التأسيس لارتباط جزائري تركي. وقال مقري “إن فرنسا سيطرت على الجزائر سيطرة كلية، وأننا صرنا لا نستطيع الفكاك منها إلا بتحالفات دولية أخرى في اتجاه الشرق”، في إشارة إلى توظيف الرفض الشعبي والسياسي للولاء الفرنسي من أجل طرح ولاء جديد مما يؤسس لصراع ولاءات وانتماءات لأقطاب خارجية أكثر منها للوطن.

مشاركة :