حين اندلعت الإنتفاضة الأولى عام 1987 أدرك الفلسطينيون متأخرين أهمية العمل الشعبي في النضال، بعد أن كان مقتصرا على الكفاح المسلح كأسلوب وحيد في النضال، إلى أن جاءت الإنتفاضة الأولى لتطرح بقوة أهمية العمل الشعبي الحاشد في موجهة العدو الإسرائيلي، شمعون بيرز كتب بعد أوسلو كتابا معنونا بـ “الشرق الأوسط الجديد”، يقول فيه عن الانتفاضة الأولى: لقد واجهنا الفلسطينيون بأقوى سلاح لديهم وهو الإنتفاضة الشعبية، التي وضعت إسرائيل في مشكلة سياسية أخلاقية أمام العالم. حالة الجدل حول أهمية هذا الشكل حسمه الميدان، معركة البوابات في القدس خير دليل على ذلك، دائما الذي كان يقلق إسرائيل هي المواجهات الشعبية العارمة و الحاشدة، في 15 أيار عام 2011 دعا مجموعة من فلسطينيي الشتات المجاورين لحدود فلسطين، لمسيرة العودة عبر وسائل الاتصال وخاصة “فيس بوك” في الذكرى 63 للنكبة، وتم تحديد 30 نقطة للتجمع على الحدود، وفي صبيحة ذلك اليوم احتشد عشرات الآلاف على حدود فلسطين في سوريا و لبنان والأردن و مصر، وكان أعنفها الحدود السورية حيث استطاع الآلاف عبور الحدود وتقطيع الأسلاك الشائكة و العبور باتجاه فلسطين في ذلك اليوم سقط الشهداء و الجرحى، ولكن المئات استطاعوا الوصول إلى فلسطين في مشهد وجداني لا ينساه الفلسطينيين، وبعض الذين وصلوا مكثوا عدة أيام في فلسطين إلى أن اعتقلتهم قوات الأمن الإسرائيلي وأعادتهم فيما بعد، هذا المشهد كان بمثابة تمرين للفلسطينيين ودرس في النضال الشعبي العنفي غير المسلح. بعد سبع سنوات من مشهد العودة عام 2011، برز في قطاع غزة من يريد إعادة التجربة ولكن بشيء من الحرص، التجمع السلمي على بعد 700 متر من السياج الفاصل عن أراضي الفلسطينيين المحتلة لاعتبارات معروفة، ولا ننسى أن قطاع غزة الذي يعيش فيه حوالي 70 بالمئة من اللاجئين، وهم معضلة سياسية كبيرة لإسرائيل لأن لاجئي قطاع غزة يرون أراضيهم التي هُجِّروا منها عام 48 بأم أعينهم صباح مساء لا يفصلهم إلا حاجز الأسلاك الشائكة، يقيمون في شريط ساحلي ضيق فقير بالموارد، قطاع غزة أصبح منطقة غير صالحة للسكن يعيش فيه حوالي 2 مليون نسمة، لذلك إسرائيل و الإدارة الأمريكية منشغلة بمستقبل قطاع غزة، إسرائيل تخشى أن يأتي يوم يتدفق الآلاف من الغزيين محققين حق العودة بأنفسهم. مسيرة العودة في الذكرى السبعين للنكبة يوم 15 أيار القادم تشكل جوهر التحرك القادم للغزيين، ورسالة للإدارة الأمريكية قبل إسرائيل صاحبة صفقة القرن بأن حل مشكلة الكثافة السكانية في قطاع غزة وكل مشاكل القطاع سواء الإنسانية أو السياسية، يكون بعودتهم لأراضيهم التي هجروا منها في عام 1948. تبني الفصائل لهذا الفعل النضالي شيء هام، ولكن يجب التأكيد على الابتعاد عن المظاهر المسلحة أو الرايات الفصائلية، علم واحد يوحد الفلسطينيين رسالته تكون أقوى، التأكيد على الشكل السلمي الحاشد الشعبي هو مفتاح نجاح التجربة، كما تم الإشارة إلى ذلك في ورشة الكتاب و المثقفين و النخب السياسية التي دعا إليها مركز أطلس، مع التأكيد على كلام الصديق العزيز إسماعيل مهرة المختص بالشأن الإسرائيلي حين قال: إن إسرائيل خصصت لهذا الحراك الشعبي اجتماعا من قبل “الكابنت” في الأيام القدامة، وهي تدرس الآن كيف ستتصدى لهذا الحراك، فقطاع غزة هنا يختلف عن الحدود الشمالية لسوريا من حيث الكثافة السكانية و الجغرافيا. بدون أنى شك أن حراك مسيرة العودة يسلط الضوء أيضا على أزمة الأونروا ومحاولات الإدارة الأمريكية تجفيفها و إحالتها على التقاعد لإلغاء حق العودة باعتبارها الشاهد الأساسي المتبقي لقضية اللاجئين. طرح هذا الشكل النضالي قضية في غاية الأهمية، كان يغفلها بعض الفصائل و خاصة حركة حماس، التي اعتبرت أن الشكل الحالي للنضال المسلح هدف بحد ذاته أو استراتيجية، وهو شكل وحيد. وبدون أدنى شك فإن الساحة الفلسطينية عانت من ذلك كثيرا، وقد نفهم أن أشكال النضال تتقدم و تتأخر بحسب المعطيات السياسية والعسكرية والجغرافية، هي رهينة الواقع والاستعدادات الجماهيرية الحاضنة له، ولا نفهم استخدام السلاح الفلسطيني في حسم الصراع السياسي الداخلي، وكان ذلك نتيجة لعدم فهم دور السلاح في النضال الوطني، الذي له ما له وعليه ما عليه، حيث تم استخدام السلاح في الاستقواء والسيطرة تحت شعارات جوفاء، أثبت الواقع دحضها، من التخوين إلى التكفير…إلخ. إن الشكل النضالي الشعبي غير المسلح رويدا رويدا يغدو هو الشكل الأنسب في هذه المرحلة، لاعتبارات متعددة مرتبطة بالتفوق العسكري و التكنولوجي، وهو عمل نخبوي يسهل على إسرائيل ضربه واحتواؤه، وفي مرحلة لاحقة وبمعطيات جديدة، مع ظهير عربي قوي وظروف سياسية خاصة يمكن أن يكون النضال المسلح هو الشكل الأفضل. نجاح مسيرة العودة هذه المرة مرهون بعدة عوامل، وهي متوفرة الآن بشكل جيد، منها مشاركة الفصائل وقبولها بهذا الشكل، ووعي الشارع الفلسطيني الغزي بأهمية هذا الشكل، إلى جانب أن الفلسطيني في قطاع غزة لا يوجد ما يخسره بعد فشل المصالحة ومحاولة عزل قطاع غزة عن القضية الفلسطينية. *كاتب مقيم في فلسطين
مشاركة :