بدون أدني شك أن وضع قطاع غزة بدأ يقلق الكثيرين، ليس من جهة موقعه في القضية الوطنية الفلسطينية فحسب، بل من جهة وضعه الإنساني المتردي كما تتحدث الكثير من الأرقام والإحصائيات المحلية و الدولية. مسيرة العودة التي حققت الكثير من الأهداف المعنوية وفي مقدمة ذلك التأكيد على الحق العودة، سلطت الضوء على الوضع الإنساني المتردي للقطاع، ولكن المفاعيل الأساسية لمسيرة العودة حدثت على الصعيد السياسي، الحديث المتكرر عن البحث عن مشاريع طويلة الأمد أو قصيرة الأمد لقطاع غزة التي يقوم بها السيد نقولاي ملادينوف المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط وغيره من اللاعبين العرب، من بوابة إغاثة قطاع غزة وتقديم حلول إنسانية ما هو إلاَ ذر للرماد في العيون، لأن هذه التحركات كان يرافقها الكثير من السيناريوهات التي كانت تهدف لفصل قطاع غزة عن القضية الفلسطينية، التصريحات الإسرائيلية و الأمريكية تدلل على ذلك، وكانت في معظمها مرتبكة ومتناقضة في المجمل، وترتكز على عنوان واحد هو حل المشاكل المتراكمة للقطاع من الناحية الاقتصادية والإغاثية التي تعتبرها المدخل أولا لإجهاض مسيرة العودة وثانيا ترتيب الوضع القائم للقطاع، وهنا تبرز الرؤية الأمريكية السابقة التي كانت تتحدث عن وحدة البنية السياسية للفلسطينيين من خلال بسط الرئيس أبو مازن على قطاع غزة وإزاحة حركة حماس عن السلطة، وبعده أتى موقف آخر يقول إن الإدارة الأمريكية لا تمانع في بقاء سلاح حماس بعد اتضاح الصعوبات التي تواجه الرئيس أبو مازن في السيطرة على القطاع. برزت الرؤية الإسرائيلية لتقول: ممكن التفاهم مع حركة حماس باتجاه تحقيق هدنة طويلة المدى، مع إنشاء بعض المشاريع وفك الحصار عن حركة حماس، ولكن الأمور لاحقا لم تقف عند ذلك، حدث تغير جوهري بعد رشقة الصواريخ التي بدأها الجهاد الإسلامي انتقاما لشهدائه في نهاية شهر مايو الماضي، دخل لاعب هام على معادلة القطاع كما تقول إسرائيل، بحيث ترسخ ما يمكن أن نسميه معضلة الجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية و الديمقراطية، في الوقت الذي كانت تجري به ترتيبات هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل وحركة حماس برعاية متعددة الأطراف أطلقت صواريخ الجهاد، و من هنا أعتقد أن الاستدارة حدثت في الموقفين الإسرائيلي و الأمريكي، السيد غرينبلات مساعد الرئيس الامريكي والممثل الخاص للمفاوضات الدولية كتب مقالا في 10 يونيو الحالي طالب فيه السلطة صراحة بالعمل لإنقاذ غزة من حركة حماس، ولكن على السلطة أن تقبل بالرؤية الأمريكية للتسوية، وفي مكان آخر من المقال قال إن تصرفات حركة حماس في إطلاق الصواريخ اتجاه البلدات الإسرائيلية لم تنجح سوى في تفاقم الوضع الإنساني في القطاع، وفي المقابل من الجهة الإسرائيلية فشل الكابنت المصغر الذي عقد يوم أمس الاحد في الاتفاق بشأن التسهيلات التي كانت تنوي إسرائيل القيام بها لقطاع غزة، وفي المقابل أتى تصريح نتنياهو الأخير ليحمل الرئيس أبو مازن مسؤولية ما يحدث للقطاع، بل أكثر من ذلك عندما قال إن الرئيس أبو مازن هو سبب انتشار مسيرات العودة في إشارة للإجراءات التي اتخذتها السلطة ضد قطاع غزة، وأعتقد أن تصريح الجنرال عاموس غلعاد من أكثر الجنرالات خبرة بالشؤون الفلسطينية يوم 2 يونيو الحالي هو الأشد وضوحا للموقف الإسرائيلي الحالي، عندما قال إنه من المهم لإسرائيل أن تحدد عنوانا مركزيا لأي نقاش يجري في أروقتها السياسية و العسكرية، وهو أنه لن يكون هناك اتفاق أبدا مع حركة حماس، والبديل عن الحديث عن اتفاقيات هو إضعاف حماس أكثر فأكثر طالما هي تسيطر على قطاع غزة. مما سبق يبدو أنه لا يوجد في الأفق أي حلول لقطاع غزة، سواء هدنة طويلة الأمد مع إسرائيل أو أي حلول أخرى، سواء إنهاء الانقسام و استعادة وحدة مؤسساتنا الوطنية، الحل الأقل كلفة بالنسبة لحركة حماس، والحديث عن تقديم حلول إنسانية للقطاع من قبل إسرائيل و الإدارة الأمريكية أو من قبل بعض العرب ما هو إلا صفقة سياسية وأكاذيب جوهرها هو تصفية القضية الفلسطينية والمس بوحدة شعبنا. الذي حدث بالأمس في دوار المنارة وفي مخيم دهيشة للاجئين، وقبل ذلك في أراضينا في الداخل المحتل 48 يدلل أن جماهير شعبنا تعيد الـتأكيد على وحدة المصير كجماعة سياسية واحدة، الشعب يتوحد في الميادين دعما لمسيرة العودة ودعما لقطاع غزة المكلوم وبالتأكيد لن تقف عند حدود ذلك فهناك دعوات لمسيرات مساندة لقطاع غزة وضد إجراءات السلطة الفلسطينية. الإجراءات العقابية التي اتخذتها قيادة السلطة الفلسطينية ضد قطاع غزة ما هي إلا شكل من أشكال المس بوحدة شعبنا وهي امتداد للانقسام ولسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، والذي بالضرورة سيزول لصالح وحدة القضية، واللعب على مشاعر الناس بأن السلطة قد صرفت 7 مليارات على قطاع غزة ما هو إلا تدنيس قذر لمشاعر الشعب الفلسطيني، قد يخرج قائد جاء بالصدفة ليقول مستقبلا إننا نصرف كذا وكذا على أي مدينة او تجمع فلسطيني. أمام هذا المشهد الصعب لم يبق للفلسطينيين سوى وحدتهم السياسية والتشبث بالأرض، وهذا لن يتعزز إلا بإنهاء الانقسام واستعادة وحدة مؤسساتنا الوطنية، إلى جانب استعادة الحياة الديمفراطية التي داس عليها الانقسام البغيض. * كاتب مقيم في فلسطين
مشاركة :