على مدار العام الماضي، ظللنا نفكر في أفضل السبل للرد على تصاعد الانتقادات ضد العولمة. فرغم منافعها الكثيرة للأغنياء والفقراء على حد سواء، تسببت آثارها الجانبية في موجة حادة من الهجوم السياسي المضاد، وهو ما أجبر صناع السياسات على طرح تساؤلات حول كيفية معالجة هذا الاستياء وما الذي يمكن القيام به لمساعدة من أغفلتهم مسيرة الاندماج الاقتصادي. ونواجه الآن معضلة مماثلة تطرحها الهجرة، وهي قضية أصبحت في بؤرة الاهتمام هنا في أوروبا مع تصاعد الشد والجذب بشأن تدفق المهاجرين من أوروبا الشرقية منذ وقت طويل وموجة الهجرة الجديدة من الشرق الأوسط وإفريقيا، وهو ما يشمل أعدادا كبيرة من اللاجئين. ويقف كل من السياسة والعلم على طرفي نقيض بالنسبة للهجرة. فلطالما تجادل العلماء حول التكاليف والمنافع الاقتصادية للهجرة، ولا تزال بينهم بعض الخلافات في هذا الصدد، لكن آراءهم توافقت على أنها تحقق منافع - وهي نقطة سأعود إليها بعد قليل. لكن التيار الشعبوي الذي بدأ يتصاعد منذ بضع سنوات في الولايات المتحدة وأوروبا والذي أصدر حكما سلبيا ضد العولمة كان حكمه قاسيا أيضا على الهجرة. وعلى مدار العام الماضي، أطاح هذا التيار بالقادة في بضعة بلدان وبدأ يهدد آخرين. وعلى غرار العولمة، ينبغي أن يتوقف الاقتصاديون وصناع السياسات للتفكير في السبب وراء ما يبدو من رفض الرأي العام لنتائج الأبحاث الإيجابية بشأن الهجرة. فبشيء من إعادة النظر، يرجح أن نتمكن من تعميق فهمنا للقضايا والتحليلات، وتحسين تحرك السياسات لمواجهتها. هناك ثلاثة تفسيرات ممكنة لقوة رد الفعل الشعبي. أولا، قد تكون المنافع الاقتصادية للهجرة أقل قيمة عند الناس لأنهم لا يحبون التغيير الاجتماعي والثقافي الذي يخشون أن يأتي بالضرورة مع الهجرة الداخلة إلى بلادهم. ثانيا، قد لا يكونون مدركين للمنافع الحقيقية التي أوضح الاقتصاديون وجودها. أو ثالثا، قد لا يكون الاقتصاديون قد اكتشفوا كل الجوانب ذات الصلة. وربما يكون هناك شيء من الحقيقة في التفسيرات الثلاثة. وتخبرنا مسوح الهجرة أن الخوف من الجريمة والخطر على الثقافة أو الهوية الوطنية يظهران كعاملين قويين مؤثرين على الرأي العام. ويخبرنا المتخصصون في العلوم السياسية أن رد الفعل تجاه هذه الأخطار المتصورة يعبر عن شعور عميق بعدم الأمان. وعلينا نحن الاقتصاديين ألا ننتقص من أهمية هذه العوامل. وفي الوقت نفسه، ليس أمامنا طريق سهل لإدراجها فيما نجريه من تحليلات. فما الذي نستطيع قوله عن الاقتصاد؟ ينبع الرأي الاقتصادي القائل بضرر الهجرة من ملاحظة بسيطة في الأساس: أن زيادة عرض العمالة يفرض ضغوطا خافضة للأجور، ما يضر بالعمالة المحلية – على الأقل أصحاب المستويات المهارية المماثلة. وغالبا ما يرتكز النفور الشعبي من الهجرة على هذه الرؤية، وهو ما تسميه الأدبيات الاقتصادية في الأساس نظرية التوازن الجزئي. فالناس يرون المهاجرين وهم يتوافدون على مجتمعاتهم، ويعتقدون أنهم السبب في تدهور الآفاق الوظيفية المتوقعة لهم ولغيرهم في تلك المجتمعات. وكثير منهم لديه خبرات محددة في سوق العمل تعزز لديه هذه الرؤية. رد الاقتصاديين على هذه الرؤية هو أن نظرية عرض العمالة تتطلب ثبات كل العوامل الأخرى، وهو غير واقع بالتأكيد. فمعظم الآراء التي تشير إلى مزايا الهجرة تشير إلى واحد أو أكثر من العوامل غير الثابتة؛ وبعبارة أخرى، تشير إلى ما يمكن أن نسميه التوازن العام والآثار الديناميكية. ومن هذه العوامل: - قد تكون العمالة المهاجرة مكملة للعمالة المحلية وليست بديلا لها. - ومن المؤكد أن المهاجرين ينفقون جانبا كبيرا مما يكسبون وبالتالي فهم يرفعون الطلب، بما في ذلك الطلب المشتق على العمالة، ومن ثم يساهمون في زيادة الأجور وتوليد وظائف جديدة. - وفي نهاية المطاف، كل منشآت الأعمال تستثمر في زيادة رأس المال لدى المهاجرين، ورفع الإنتاجية، والحد من الضغوط الخافضة للأجور. - وسيعاد تدريب العمالة الوطنية لتشغل وظائف تدر دخلا أكبر، أو تنتقل إلى أماكن تتمتع بأسواق عمل أقوى. وقد حددت الأدبيات كثيرا من مثل هذه العوامل التي يمكن، نظريا، أن تحقق منافع، والتي أثبتت، عمليا، أنها تحقق منافع بالفعل. author: ديفيد ليبتونImage:
مشاركة :