تجعل قاعدة الإرث المعروفة بالتعصيب النساء الأكثر فقرا أكثر هشاشة، وتجبر الكثير من الآباء على التخلي عن ممتلكاتهم لبناتهم وهم على قيد الحياة، لكون القاعدة المذكورة منتجا خالصا للفقه، وليست وصية إلهية. وتفرض هذه القاعدة على الوريثات اللاتي ليس لهنَّ أخ ذكر، اقتسام ممتلكاتهن مع الأقرباء الذكور للأب المتوفى، ولو كانوا من الأبعدين (أعمام أو أبناء عمومة..). ووقع على نداء إلغاء قاعدة الإرث المعروفة بالتعصيب مؤلفون لكتاب جماعي “ميراث النساء”، صدر بثلاث لغات، وشاركت في ذلك 12 متخصصة، و11 متخصصا، تناولوا موضوع الإرث من مرجعيات دينية، وسياسية- قانونية، واجتماعية، ومنهم كل من أغماني جمال مستشار في القانون الاجتماعي ووزير سابق، ورفيقي محمد عبدالوهاب باحث في الدراسات الإسلامية، وآيت إيدر محمد بنسعيد زعيم سياسي وعضو جيش التحرير، والمخرجة بليزيد فريدة، وجبابدي لطيفة ناشطة جمعوية، وجبرون امحمد أستاذ جامعي وباحث في التاريخ والفكر الإسلامي. وفي نقاشها للمؤلف الجماعي الذي نظمته الجامعة الدولية بالرباط، أوضحت أسماء المرابط، الرئيسة السابقة لمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، التابع للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب، أن “الرجوع إلى العمق الأخلاقي للإسلام ومقاصده، يستوجب أن يبطل التعصيب كقانون تمييزي ضد المرأة”، موردة أن آية “وللنساء نصيب مفروض قاعدة للمساواة أغفلتها القراءات الأبوية". وقال موقعو نداء إنهاء التعصيب، أن قانون المواريث (مدونة الأسرة 2004)، يعطي الحقَّ للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا في حال كان وريثا وحيدا، في حين لا تستفيد المرأة من هذا الحق، وترث فقط نصيبا مقدّرا معلوما يسمى فرضا، ما يعني أن الوارثات اللائي ليس معهن شقيقٌ ذكر، ينبغي عليهن تقاسم الإرث مع الذكور الأقربين (أعمام، وأبناء عمومة، وغيرهم)، وفي حالة عدم وجودهم تقتسم مع أبناء عمومة أبعدين، قد لا تربطهم بالأسرة آصرة، أو قربى سوى الدم المشترك. في إطار الجدل القائم حول موضوع المواريث بالمغرب نادت مجموعة من المهتمين بمجال حقوق المرأة وباحثون أكاديميون بإلغاء قاعدة الإرث المعروفة بالتعصيب، والتي لم تعد حسب رأيهم تتوافق مع ما طرأ على الأسرة المغربية من تحولات في السياق الاجتماعي الراهن ويضيف هؤلاء الموقعون أن هذه الوضعية ترتبط بقاعدة التعصيب، التي تحصر الورثة، بعد أصحاب الفروض، في الذكور ممن لهم قرابة نسبية بالمتوفى، علما أن الإرث بالتعصيب كان يجد ما يبرره في السياق التاريخي، الذي نشأ فيه حيث كان النظام الاجتماعي نظاما قبليا يفرض على الذكور رعاية الإناث والأشخاص الموجودين في وضعية هشة، إضافة إلى تحملهم مسؤولية الدفاع عن القبيلة وضمان عيشها، حيث كان الأمر يصل إلى حد إعطاء ديات، وتعويضات من أجل سداد الخسائر والأضرار، التي قد يتسبب فيها بعض أفراد القبيلة (العصبية). وإعطاء حصة متساوية للمرأة في الإرث في عمق مقاصد الإسلام، وليس ضده، كما أكدت أسماء المرابط، الرئيسة السابقة لمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، التابع للرابطة المحمدية للعلماء في المغرب، وحل المشكل حسب المرابط، يكمن في إنشاء لجنة ملكية يتناقش فيها الكل، كما تم الأمر بالنسبة لمدونة الأسرة. وفي اطار النقاش الدائر حول موضوع الإرث بالمغرب أصدرت الرابطة المحمدية للعلماء، كتابا حول علم المواريث، الموسوم بـ”بصائر العارفين في تبيان حظوظ الوارثات والوارثين”، توضح فيه موقفها الرافض لفكرة “المساواة في الميراث". وأوردت أسماء المرابط، أنه في السياق القَبَلي ما قبل الإسلام، كان يُحرم كل من ليست له القدرة على المحاربة، ورغم عدم مشاركة المرأة في أي من هذه الأنشطة، أعطاها الإسلام حقها في الإرث، نافية أن يكون ذلك مستمرا حتى اليوم إذ أن هناك نساء يهتممن بأُسر بأكملها الآن، بينما إخوانهن عاطلون عن العمل. ونفقة الرجل تساوي طاعة المرأة له وهذا ما تعتبره أسماء المرابط الرئيسة السابقة لمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، عمق القراءة الأبوية للقوامة التي ترى الرجل متفوقا على المرأة، مما يبرر كل شيء آخر، بما فيه تعدد الزوجات للرجل، بينما القوامة في الأصل ليست إلا رعاية اقتصادية. وأكد رفيقي محمد عبدالوهاب، باحث في الدراسات الإسلامية، أن النساء يساهمن في إعالة أسرهن، بل إنهن في أحيان كثيرة يكنّ المعيلات الوحيدات، أما عدد النساء اللائي يشاركن أزواجهن نفقات البيت، فإنه في تزايد، فضلا عن وجود حالات كثيرة تتكلف فيها ربات البيوت لوحدهن بنفقات البيت. قانون المواريث يعطي الحق للرجل في الاستفادة من الإرث كاملا إذا كان وريثا وحيدا، ولا تستفيد المرأة من هذا الحق وفي ذات الموضوع أكدت سهام بنشقرون، طبيبة وكاتبة، أن موضوع الإرث يتجاوز الإرث نفسه وحقوق المرأة وتقسيم الثروة، ويطرح أيضا سؤال “هل ننظم مجتمعنا ومشروعنا المجتمعي على فكرة المواطنة؟". مستعرضة حالاتٍ يعتمد فيها الآباء على مدخول بناتهن، وحالات تمول فيها النساء دراسة إخوانهن، كما ذكرت حالات “يعتمد فيها الأخ الأكبر على أخته في مصاريف قهوته وخمره”. ومن جهتهم شدد مؤلفو كتاب “ميراث النساء” على أنه في السياق الاجتماعي الحالي، وما عرفه من تغير في البنيات، والأدوار الاجتماعية، ينتج عن تطبيق نظام الإرث عن طريق التعصيب بالنفس ظلم كبير لا يتماشى مع مقاصد الإسلام، إذ لم يعد الأعمام، أو أبناء العمومة، أو الأقارب الذكور عموما يتحملون نفقات بنات إخوتهم، أو قريباتهم حتى إن كن يعانين الحاجة والعوز. وتأمل أسماء المرابط، المستقيلة حديثا من الرابطة المحمدية للعلماء، في “إمكانية تغيير الوضع رغم أننا أقلية، مراهنة على التعليم حيث إنه لا يمكن أن نستمر في هذا الجهل الذي يفرض علينا قدسية إلهية، ويتحدث باسم الله، ولو أن الأمر لم يكن إلهيا”. وأطلقت الجمعة، عريضة إلكترونية، على موقع “آفاز” العالمي لحملات المجتمع المدني، من أجل المطالبة بالحفاظ على نظام الإرث الإسلامي كما شرعه الله تعالى، والغاية منها حسب مُطلِقيها، هي الرد على عريضة مماثلة تطالب بإلغاء التعصيب في الإرث.
مشاركة :