الجزائر – لم تبد السلطة الجزائرية أي تجاوب مع دعوات الحوار التي أطلقتها بعض قوى المعارضة السياسية في البلاد، فباستثناء الرسائل المبطنة التي أطلقها الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة حول دور وحق المعارضة في الوصول إلى مراكز القرار، لم تصدر أي إشارات حول إمكانية الجلوس مع طالبي الحوار للنظر في حالة الانسداد السياسي بالبلاد. ووضعت رسائل بوتفليقة الأخطار الاقليمية والأوضاع الحساسة التي تمر بها المنطقة سقفا تنصهر فيه ما أسماه بـ”الخلافات” و”نزاع البرامج السياسية”، من أجل الحفاظ على سيادة ووحدة البلاد، والنأي بها عن السيناريوهات التي تعرضت لها بعض دول الجوار. ورغم اعترافه بأحقية ودور المعارضة السياسية في الوصول إلى مراكز القرار، والدفاع عن برامجها السياسية، فإنه لم يرسل أي إشارة توحي بإمكانية جلوس السلطة مع أطراف المعارضة على طاولة الحوار لدراسة الأوضاع السياسية والاقتصادية المتدهورة، ومستقبل البلاد في ظل الرهانات القائمة. وفيما اقترن السجال السياسي في الجزائر بالاستحقاقات الانتخابية الكبرى، فإن دخول الموعد الرئاسي مرحلة العد التنازلي ساهم في ارتفاع حراك داخلي بين معارضة سياسية تحذر من حالة الجمود، واضطرابات اجتماعية متفاقمة، وبين غموض في هرم السلطة، حول مرشحها في الانتخابات المذكورة. وشدد رئيس الحكومة السابق والمعارض علي بن فليس على ضرورة فتح حوار جاد بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين، لفض النزاعات المتفاقمة في الفترة الأخيرة، بين الحكومة وبعض القطاعات في الوظيفة العمومية، على غرار الأطباء والأساتذة والإدارة والبريد.. وغيرها. وقال أمام أعضاء اللجنة المركزية لحزب طلائع الحريات إن “الحزب على قناعة تامة بفضائل ونجاعة الحوار الاجتماعي، وبالتشاور كوسيلة فعالة لمعالجة النزاعات الاجتماعية، وإن الوضع الاجتماعي يتميز بارتفاع التوترات الاجتماعية، مما يتوجب فتح حوار جدي تنشطه إرادة سياسية للخروج بحلول عادلة ودائمة للمطالب، ومع ممثلين مختارين بكل حرية من طرف المعنيين أنفسهم”. إلا أن رئيس الجبهة الاجتماعية الجزائرية عمارة بن يونس، المحسوب على معسكر الموالاة، اعتبر المواعيد الانتخابية فرصة للمعارضة لإقناع الشعب ببرامجها وأفكارها. واعتبر أن الانتخابات التشريعية والمحلية التي جرت في السداسي الثاني من السنة الماضية، أثبتت تجذر أو سطحية القوى السياسية الناشطة. وذكر بن يونس أن “الشعب الجزائري زكى بوتفليقة في انتخابات 2014، وصوت لصالح الأحزاب التي تحوز الأغلبية أو تتواجد في المؤسسات المنتخبة حاليا، ولا داعي لإعادة خلط الأوراق في الظرف الراهن، لأن من يدعو إلى فتح حوار حول ما يسمى بالأزمة السياسية والاقتصادية، يريد القفز على إرادة الشعب”. وجاء تصريح عمارة بن يونس ليعزز مواقف أحزاب السلطة وعلى رأسها جبهة التحرير الوطني، التي تروج لخطاب إيجابي حول المرحلة الحالية. وتعكف السلطة على إعداد تقارير مفصلة حول ما تسميه بـ”الإنجازات والمكتسبات المحققة في فترة بوتفليقة 1999 - 2017” لشرح وجهة إنفاق مداخيل الطفرة النفطية للرأي العام، بعد الاتهامات التي طالت السلطة حول تبديد وتبذير مقدرات البلاد المالية. ودافع جمال ولد عباس الأمين العام لجبهة التحرير بشدة عما أسماه بـ”شرعية المؤسسات”، ورفض التطرق إلى ملف صحة بوتفليقة والجدل القائم حول قدراته على أداء مهامه الدستورية، في رد على ما بات يعرف بـ”دعاة المرحلة الانتقالية”، على خلفية شغور منصب الرئاسة. وأكد ولد عباس أنه “لا مجال للمناورات السياسية، فالرئيس يدير مهامه باقتدار ويتابع بدقة كل الملفات الداخلية والخارجية، والحزب بصدد جرد شامل للإنجازات والمكتسبات المحققة في هذه المرحلة، للرد على المشككين في وجهة إنفاق مداخيل النفط”. ولفت إلى أنه من يريد قصر المرادية عليه أن ينتظر حتى 2019، مشددا على “أن الشعب الجزائري قال كلمته في 2014 للرئيس بوتفليقة، وفي مايو ونوفمبر الماضيين لجبهة التحرير الوطني، وعليه لا مجال للمناورة أو القفز على الإرادة السياسية للجزائريين”. ومع ذلك تبقى أصوات المعارضة لفتح حوار بينها وبين السلطة، محل تصاعد ولو على مستويات متباينة. ففيما دعا حزب جيل جديد إلى ضرورة فتح حوار بين أطراف المعارضة نفسها أولا ومع السلطة ثانيا، حول ما أسماه بـ”مساعدة النظام على الرحيل”، والتوافق حول مرشح للانتخابات الرئاسية، ذهبت حركة “حمس”، إلى تجاوز الاستحقاق الرئاسي والبحث عن إجماع بين الطرفين لمواجهة التحديات القائمة. وانضم إلى مسعى الحوار المأمول حزب طلائع الحريات، الداعي إلى “تسوية النزاعات الاجتماعية بين الحكومة والحراك العمالي المتصاعد، لدرء مخاطر الانفجار، ووضع مسألة الانتخابات الرئاسية في مستوى أقل من الأهمية، إلا أنه شدد على ضرورة التوافق بين جميع الأطراف الفاعلة من أجل أن يكون الاستحقاق حلا وليس مشكلة”. صابر بليدي
مشاركة :