عندما نتأمل الأدوات القديمة التي كانت أداتية في حقبة زمنية ماضية وقد كانت مسلوبة الجوهر والمعني خارج نطاق التأمل والقراءة الفنية أو القيمة الجمالية من ناحية "استطيقية" فقد أصبحت الأدوات المتوارثة أعمالاً فنية بعد أن وضعت على تلك الرفوف للاستعراض والتأمل واستعادة جوهرها المسلوب من خلال الاستعمال قديماً أو العمل الأداتي إلا أنها تشعرنا بالحنين إلى الماضي أو كما يعرف بـ"النوستالجيا" ذلك العشق الدفين للزمن الماضي. عبدالله بن دباج معلم متقاعد حوّل منزله الحديث إلى متحف يحتوي على كل الأدوات القديمة من العلب القديمة والأدوات الزراعية والنفعية مثل القِراب والدلاء والمحاريث والغرْوب وأدوات الصيد ومصنوعات الخوص والملابس القديمة التي كانت تحيكها نساء القرية، حتى أصبحت أسرته تعينه على ترتيب وتأمل تلك الأدوات، والتي يجذبه إليها الحنين إلى الزمن الماضي. يقول بن دباج متحدثاً عن بعض الأدوات من ناحية المسميات والوصف العملي مثل "الدياس" و"المحراث" و"العصم" كمثال فيقول: كنا نستخدم الحجر في سحبه بواسطة الثيران من خلال ربطه في خشبة سميكة مخصصة لها هلالان من الخشب يتم وضعهما على غارب الثور أو الكتف من بعد السنام ناحية العنق تسمى "الضمد" ويربط في ذلك الضمد حبل مصنوع من الجلد المدبوغ يسمى "العصم" فعندما أقوم بالشرح للأجيال الحديثة أجد في ملامحهم عدم قدرتهم على استيعاب وتصور ما أقول لدرجة أنني أمارس عملياً ما أقوم بشرحه لهم لكي يعرفوا ما أريد إيصاله لأذهانهم الحديثة المتقدمة في المجالات التقنية الحديثة. والحقيقة أنني عندما كنت مذعناً لشرح الأستاذ عبدالله بن دباج كان اللاوعي لدي منشغلاً بالقراءة الاستطيقية بعد أن جسدها لنا الفنان الانطباعي الهولندي "فنسنت فان جوخ" في لوحته الشهيرة جوز الحذاء، ثم تناولها الفلاسفة ومنهم الفيلسوف الألماني "مارتن هايدغر" في كتابه الشهير "أصل العمل الفني" مثال لوحة فينسنت فان غوخ "زوج من الأحذية" في تحليل جوهر العمل الفني، والذي يرى عودة الجوهر للأشياء بعد أن تصبح عملاً فنياً، بينما في مرحلة استعمالها كأداة نفعية فقد سُلب منها الجوهر والمعنى الحقيقي. وخلافاً للقراءة البصرية الفنية فإن المسميات لتلك الأدوات القديمة هي الأخرى تُعمل العقل وتفرض السؤال الذي يطرحه الفيلسوف الفرنسي "دي سوسير" مؤسس المدرسة البنيوية، فهو يرى أن السؤال ما هو المعني لاسم الشيء؟ أنه سؤال تقليدي لا يؤدي إلى نتائج تقدح الذهن فهو يفسر ما هية الشيء من حيث الهوية، ويرى أنه السؤال الأشمل والأهم هو أن يقال مثلاً لماذا تسمى الأشياء بهذه الأسماء؟ وكيف حمل هذا الشيء ذلك الاسم؟ ومن البديهي أن نفسر معنى المحراث، ومعنى المهراس، ولكن كيف حمل هذا الاسم، وذلك السؤال يقودنا إلى بداية اللسانيات وكيف أجمع الناس على تحديد المسميات واتفق الجميع على أن تلك الأداة أو ذلك الشيء نطلق عليه اسم المحراث فتلك المفردة تأخذ وضعها في مراحل الاستعمال الأولى بشكل اعتباطي أو تعسفي كما يقول "دريدا"، حتى يمر ذلك المسمى بمراحل من المواضعة والاستعمال والتداول، ويكون دالاً أو صورة صوتية تسهم في ظهورها في صورة ذهنية لدى المتلقي، وتؤول إلى دال حتى تنتهي إلى دلالة من خلال مكانها في النص حسب العلامة وموقعها من الجملة وعلاقتها التفاعلية بالنص أو الكلام الخطي. ومن حيث الصور الجمالية لتلك الأدوات فإنها تشكل في مجملها من حيث المسميات والأشكال صوراً ذهنية وبصرية تجسد لزمن القديم وبساطة الحياة وصعوبتها وربما دلت بعض تلك الفنون إلى أنماط من الحياة القديمة بقسوتها وألفتها الاجتماعية رغم الكدح والمشقة في جلب القوت وقدح النار في الموقد وجمع الحطب وجلب الماء من البئر والكد في الفلاحة لتوفير رغيف الخبز. فن الخداع البصري صحاف ودلال أصبحت عملاً فنياً
مشاركة :