حمد الحمد* عرفت زميلنا الأستاذ حمود الشايجي في كُتب صدرت له، منها ديوان «عشق»، الذي قال عنه الدكتور أيمن بكر «إن ديوان عشق للشاعر حمود الشايجي ينتمي إلى قصيدة النثر، حيث بذل جهداً للتحرر من مسارات العشق القديم وأفكاره الجاهزة من دون انفلات كامل منها، وان الشايجي مثلنا جميعا مسكون بطرائق عشق». أما الإصدار الثاني لحمود الشايجي فهو رواية «شيخ الخطاطين» التي قال عنها الباحث فهد الهندال: إن هذا العمل تضمن رمزية مُكثفة ولغة شعرية امتدت على طول الرواية. لكنني شخصيا كنت أتابع باهتمام بالغ مقالات الشايجي الفكرية الرصينة التي نُشرت في جريدة على فترات، حيث نَشر ما يقارب من 46 مقالاً تحت وسم «أفيون»، ونشر ست مقالات أخرى تحت باب «مسارات» كلها تُعالج موضوعا فكريا مُعمقا يحمل عنوان «الاستبداد»، كَتب مُجمل المقالات الستة بنهج مُوجز وواضح ولكنه مُعمق، وهذا ما ينقصنا من نوعية مقالات كهذه في صحافتنا اليومية. كان مفاجأة لي أن يخوض حمود الشايجي في هكذا موضوعات جادة وبأسلوب فكري عميق ومُختصر في آن واحد، وفي تلك المقالات طرح قضية «الاستبداد»، وعالجها من زوايا عدة، وان كان ما كتب لا يغري للقراءة بالنسبة للقارئ العادي، إلا أنه يلفت انتباه فئة من المجتمع وخاصة الطبقة المُثقفة. عناوين «الاستبداد» التي دونها كاتبنا كانت مُثيره وكان أولها «بروتوكول الاستبداد» وتلتها عناوين «الاستبداد الذكي» و«الاستبداد والجهل» و«واستبداد اليقينيين» و«استبداد الوقت» وآخرها «استبداد تكنولوجيا الذكاء». وكنت أتابع شخصياً تلك المقالات خلال الفترة من سبتمبر 2017 وحتى نهاية أكتوبر من العام نفسه، وما لفت انتباهي بما كَتب، أنها مقالات مختصرة مُحكمة الصياغة، وبها طرح نظرته الفكرية عن موضوع مُستبعد أن يُناقش من كاتب محلي آخر في صحافتنا اليومية. وهل للاستبداد بروتوكول؟ هذا ما يؤكده الشايجي في مقاله الأول وعنوانه «بروتوكول الاستبداد»، حيث يفسر ان للاستبداد بُعدين؛ قانونيا وآخر دبلوماسيا، وبعدها عرف المُصطلح وفق القواميس ولخصه بـ«التسلط والتعسف والتحكم» أو هو «ظلم وفرض أراده دون ُمبرر»، واتى بمقوله عربية (تراثية) وهي «إنما العاجز من لا يستبد»، وكأن الاستبداد ميراث عربي لا مفر منه، ويختم مقاله الأول بوجهة نظرته الشخصية ككاتب، حيث يذكر أن الاستبداد قد يكون فرديا ذاتيا، أو جماعياً/ جماعيا، والاستبداد هو فعل كما يرى البعض، لكن الكاتب يراه حالة وليس فعلا واضح المعالم، بينما البعض يرفض وجوده إذا لم يكن قائماً بصورة الفعل. وإذا كنا سنعرض لصورة الاستبداد فنجده في محيط الأسرة في المنزل؛ حيث يستبد الأب أو الأم بمجريات الأمور، وجماعيا في محيط المجتمع والنظام السياسي. الاستبداد بين الغبي والذكي! وفي مقاله الثاني يقدم لنا الشايجي صور الاستبداد الذكي، مقابل الاستبداد الغبي، وأطلق على الاستبداد الغبي مُسمى «الاستبداد الكلاسيكي»، وهو أشهر أنواع الاستبداد الذي يعتمد على القوة، حيث يصل المُستبد إلى «تصفية الرافض أو حتى بأصحاب الرافض وأهله»، وهذا نهج لإرهاب الجميع، وهنا رسالة المستبد واضحة وهي لكل من توسوس له نفسه بالعصيان أو الخروج عليه، وأهم أدوات المُستبد من هذا النوع هم «العسكر». أما النوع الثاني من الاستبداد فهو الاستبداد الجديد أو استبداد عصر الحداثة، وهذا النوع ازدهر وتشكل في العصر الصناعي، ويعتمد، كما يقول الكاتب، على مفهوم تحديد الخيارات بمعنى أن يقوم المُستبد بحصر الخيارات إلى خيارات يحددها هو بنفسه، بمعنى انه يختار أفضل الأسوأ، والكاتب هنا يقدم كمثال من أمثلة هذا المُستبد: «الإعلام»، ونفسر ذلك بان الإعلام يجعلك مغيبا لتؤمن بفكر المُستبد وتدعمه. أما الاستبداد من النوع الثالث فأطلق عليه الشايجي الاستبداد الذكي أو استبداد ما بعد الحداثة، وجاء بعد العصر الصناعي وبداية عصر المعلوماتية وازدهر مع ثورة الانترنت، فهذا الاستبداد يعتمد فيه المُستبد على برمجة لا وعي من يقع عليه الاستبداد بأفكار تجعله يختار ما يريد المستبد من دون ضغط وبكل حرية وديموقراطية، حيث أصبحت كل خيارات الاستبداد مطروحة، وهنا لا خيار إلا خيار المُستبد ولا غيره، وفي هذا المنعطف ينوه الشايجي بأن الفن احد أنواع الاستبداد من دون أن يقدم أمثلة على ذلك. لكنني، كاتب هذا المقال، بإمكاني أن أقدم نماذج واذكر قول ُمفكر روسي قال إن أميركا لم ترسل جيوشا لتسقط وتفكك الاتحاد السوفيتي، هذه الإمبراطورية العظيمة، أنما أرسلت لنا أفلام السينما والمسلسلات الأميركية، حيث يشاهد المواطن السوفيتي عبر السينما الأميركي وهو يسكن أفضل منزل، ويتجول في سوبر ماركت فيه كل المنتجات، بينما المواطن السوفيتي ينتظر لسنوات ليحصل على شقة أو سيارة أو يقف في طوابير الخبز كل صباح أمام متاجر خالية. وفي مشهد آخر لفت انتباهي قبل فترة في لقطات من مسلسل أميركي يقول الممثل الشاب لصديقته «دعينا ندخل هذا الكافيه» فترد الفتاة وتقول «لا هذا الكافيه غير جيد دعنا نذهب لذلك الكافيه فهو أفضل»، وفي مدخل الكافية تظهر لقطة للوحة الكافيه الأميركي الشهير، المواطن العادي وهو يشاهد تلك اللقطات يعتبرها جزءا من السيناريو أو ضمن قصة ذلك المسلسل، ولكن هي في الحقيقة إعلان مدفوع الأجر لترويج منتج أميركي، وهنا نجد مثال استبداد الفن حيث تم إقناعك في حالة اللاوعي واستدراجك من دون أن تعي لشراء سلعة أميركية، وإذا كان الفن أحد وسائل الاستبداد، فإن ثورات الإنترنت والتواصل الاجتماعي تندرج في هذا الاستبداد الذكي كما ذكرها الشايجي. * أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين الأسبق
مشاركة :