قراءة في مقالات حمود الشايجي (2/2)

  • 4/3/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حمد الحمد| «الاستبداد الغبي» الذي ذكره الشايجي في عنوان سابق اعتبره من أشهر أنواع الاستبداد، واعتبره استبدادا بسيطاً واضحا، لكونه يعتمد على القوة، هنا المُستبد في خانة الجهل يقوم بحجب المعلومات عن المستبد به، فالمعلومة يعتبرها المُستبد احد مصادر القوة. فالجهل في هذه المرحلة يعود إلى أصله الحقيقي: اعتقاد الشيء على خلاف ما هو عليه، وهنا يقوم المُستبد ببرمجة المستبَد به بشكل غير مباشر وهذه البرمجة تعتمد على هدم لاوعي المستبَد به وبناء لا وعي جديد. وإذا كان الكاتب لم يذكر أمثلة فكاتب هذا المقال قد يستدرج أمثلة من تاريخنا المعاصر، فهزيمة العرب في عام 67 واحتلال أراض عربية لم تكن إلا نكسة وليست هزيمة، وانقلاب مجموعة عسكر ما هو إلا ثورة شعب، والربيع العربي ليس إلا مؤامرة غربية وليس نتاج سيطرة العسكر على مقدرات الشعوب العربية وفشلها مما مهد لثورات هنا وهناك من تونس حتى مصر، ويذكر الشايجي في آخر هذا العنوان أن المستبد يصل إلى مُبتغاه وهو خلق عالم من «الشهود العميان».استبداد اليقينيين في ورقته الرابعة أطلق الشايجي على نوع جديد من الاستبداد «استبداد اليقينيين»، وعرفهم بأنهم شخصيات من البشر لديهم ثقة بكل ما يصنعون وأنهم الصواب ولا صواب غير فعلهم وقولهم، فهم مُتأكدون من كل شيء، ولا يسمحون لاعتقادهم أن يُمس، أو يناقش، والكاتب يعلن بصراحة انه يغبط هذه الفئة من البشر رغم اختلافه مع نمط تفكيرها، لكونهم يعيشون في راحة وعلى حالة يقين، وفي مرحلة ذهنية من الثبات جعلت تحريك أذهانهم نوعا من «الهرطقة»، وإذا كان الشايجي يذكر اليقينيين فإنه لا يعني المُتدينين فقط، ولكن هناك فئات أخرى، فهم لا يرون حقيقة إلا التي يرونها هم. ويلمح الشايجي إلى أن اخطر ما يواجه العالم هو استبداد هؤلاء الذين لا يسمحون لأنفسهم بالشك أو أن يضعوا أفكارهم وأفعالهم في محل اختبار، وهذه الفئة مُتعالية تحمل أفكارها وتدفنها في أعماق نفسها، لهذا هم في خشية دائمة من اختبار إيمانهم، لهذا هم في شك دائم رغم ادعائهم بغير ذلك. وكاتب هذا المقال صدر له كتاب في العصف الفكري عنوانه الجانبي هو «إعادة فهم وقراءة في فكرنا الديني والاجتماعي» وقد صدر عن دار الشروق في القاهرة عام 2014، وعندما عرف صديق قبل صدور الكتاب أنني اكتب في موضوع كهذا قال لي «يُفترض ألا تكتب في مواضيع كهذه»، وصاحبنا هذا مؤكد هو من فئة «اليقينيين» الذين لا يريدون أن يسمعوا إلا ما يعتقدونه.الوقت واستبداد أعظم وفي مقال الشايجي الخامس قبل الأخير عنونه بـ«استبداد الوقت» حيث اعتبر أن الوقت هو المُستبد الأعظم، فهو لا يفرق بين قوي وضعيف، ويمر بهدوء بغير صخب أو عنف وقدرته تطول كل البشر، وان فعل الوقت ببساطة متناهية لا يتعدى فعل «المرور»، فقد اعتبر أن لحظاته القديمة ما يطلق عليها «التاريخ» ولحظاته الآتية هي ما يُسمى «المستقبل»، الوقت مُستبد لا يفقه بالدنيا إلا فعل «المرور». وكاتب هذا المقال يرى أن هذا المُستبد، وهو الوقت، لا يفوز بلحظاته إلا من يعي قيمته ويستطيع أن يجرده من سلاح المرور، لهذا اذكر حكاية احد العلماء الغربيين الذي كان يصارع الوقت في معمله، فعندما يذهب إلى دورة المياه ليقضي حاجته يحسب الوقت خشية أن تذهب ثوان أو دقائق سدى من دون إنتاج وعمل مفيد.المستبد الأخطر التكنولوجي في آخر مقال لحمود الشايجي كان تحت عنوان «الاستبداد» نراه يتخوف من المستبد الأكبر الجديد وهو التكنولوجيا، حيث عنون مقاله بـ«استبداد تكنولوجيا الذكاء»، فتخوفه مبرر بلا شك، يقول: إن الذكاء المضاف على هذه التكنولوجيا ليست هي التطبيقات التي فيها، إنما تلك الشريحة المضافة إلى أي أداة تكنولوجية، تلك الشريحة التي تسجل لك كل ما ترى وتسمع وما تختار وما تفعل وتحفظ هذه التسجيلات في قاعدة بيانات خاصة بك، هذه القاعدة تُستخدم لتحديد اختياراتك، وتستطيع الكشف عن لونك ومدى إقدامك وتراجعك، تلك البيانات وهذا الذكاء لم يوجد إلا لخلق كائن يشبهك لكنه ليس أنت. ويضيف الشايجي بأن هذا المُستبد التكنولوجي يستطيع أن يراقب كل خطواتك، ويراقب أين ومع من تكون، ويتعرف على خياراتك ورغباتك، فيتسلل إليك ويحكمك عن طريقه بشكل كامل، وان ذلك الذكاء يقوم بإلهاء عقلك وروحك بشكل كامل دائم ومستمر ولا يسمح لك في لحظة تفكير أو تأمل، وهذه غايات المستبد المُقدسة وهو إبقاؤك في حالة الإلهاء. وكاتب المقال يؤكد ما جاء به الشايجي حيث هناك معلومات أن أي نظام سياسي بواسطة الأقمار الصناعية بإمكانه في تظاهرة عدد أفرادها 100 ألف أو أكثر أن يتعرف على كل أسماء المشاركين بالتظاهرة عبر هواتفهم المحمولة بأيديهم أو بواسطة تقنيات أخرى.مولد مبدع هو ميلاد جديد كتب الأديب طالب الرفاعي في عموده الأسبوعي في 21 فبراير 2012، إن ميلاد شاعر أو فنان في أي مجتمع من المجتمعات، هو ميلاد جديد لحفظ تاريخ هذه الأمة وحفظ خصوصيتها وسط العموم الإنساني، لذا تبدو الحاجة ملحة إلى تبني المواهب الشابة ورعايتها وإدامة الواصل بها حتى تؤتي ثمارها، وهنا في مقاله هذا كان يتحدث عن حمود الشايجي الشاب وانجازاته في بداية طريقه الإبداعي، وهنا يجدر أن نشيد بحمود الشايجي وهو يقدم لنا فكراً جديداً عبر كتاباته الفكرية، وخاصة بما كتبه كذلك تحت عنوان «افيون» الذي يحتاج لكاتب متخصص آخر ليقدم مضمونه للقراء، كما قدمت أنا ما كتبه عن «الاستبداد». *أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين الأسبق

مشاركة :