إسطنبول- يكشف كتاب “مصر في عدسات القرن التاسع عشر”، عن كيف كانت مصر من أهم مراكز الحضارة والفنون في الشرق، إذ يمتد تراثها الأثري والمعماري إلى الألف الخامس قبل الميلاد، منذ بدء الفن الفرعوني القديم، حيث عرف المصريون شتى ضروب النشاط الفني عبر التاريخ، وتوالت حلقات الفن المصري متتابعة، من العصور اليونانية والرومانية والقبطية إلى الإسلامية. قبل الفتح الإسلامي لمصر كان الفن القبطي مزدهرا، ولما قام الصحابي عمرو بن العاص بفتحها عام 18 هجري/ 639 ميلادي في خلافة عمر بن الخطاب، لم يلبث أن شرع بعد ثلاثة أعوام في بناء أول مسجد في مصر، فكان الأثر الإسلامي الأول فيها، ثم أعقبه ببناء العديد من العمائر الإسلامية الأخرى في القرون اللاحقة، وازدهرت فنون الإسلام على يد الأسر الحاكمة ابتداء من الطولونيين والفاطميين والأيوبيين، حتى المماليك، ثم العصر العثماني. مع القرن التاسع عشر، الذي شهد اختراع فن التصوير الفوتوغرافي كانت مصر تواصل مسيرتها الثقافية والفنية خلال ولاية محمد علي باشا وأسرته، منذ عام 1805، وبمجرد سماع محمد علي باشا بخبر اختراع آلة التصوير، قرّب إليه المصور الذي جاء بأول كاميرا إلى مصر وهو المستشرق الفرنسي الرسام أميل جون هوراس فيرنيه. وخلال الأربعينات من القرن التاسع عشر وفد إلى مصر سبعة مصورين معروفين منهم بريطانيان وخمسة فرنسيين كان من أهمهم المصور الفرنسي مكسيم دوكامب الذي صور مصر من سنة 1849 إلى سنة 1851. ويقدم كتاب “مصر في عدسات القرن التاسع عشر”، ألبوما لعدة صور لكل من المصور باسكال صباح والمصور هنري بشار، تم التقاطها في عهد الخديوي إسماعيل في فترة السبعينات من القرن التاسع عشر، وهي تمثل ذروة نشاطهما الفني. كما نشاهد صورا لكل من المصورين دوما وأرنو والإخوة عبدالله. وقد أمكننا التعرف على أسماء المصورين وتاريخ الصور من قراءة تواقيعهم على الصور الخاصة بهم -عند ظهور هذه التواقيع- وبالتالي معرفة التواريخ التقريبية لهذه الصور. الكتاب يضم مجموعة كبيرة ونادرة من الصور الفوتغرافية التي تجسد الحياة والآثار في مصر في القرن التاسع عشر كما يقدم الكتاب مجموعة من الصور الفوتوغرافية التي تظهر المعالم الحضارية في مصر خلال تلك الحقبة، حيث توجد أصول هذه الصور في مجموعة ألبومات قصر يليز بمقر المركز “أرسيكا” في إسطنبول، وركز الكتاب على صور مدينة القاهرة التي تتميز عن غيرها من المدن المصرية القديمة بأنها المدينة العالمية القديمة التي مضى على إنشائها عشرة قرون ونصف القرن، وأصبحت مسرحا لأحداث تاريخية وسياسية وفنية على مر القرون. كما توجد صور خاصة لمدن أخرى مثل الإسكندرية وبورسعيد وغيرها، وجميعها يحكي لنا الفارق الكبير بين الأمس واليوم، فلم يعد ميناء بورسعيد كما كان عليه أيام افتتاح قناة السويس، ولم تعد ترعة المحمودية كما كانت في أول عهدها، ولم تعد أسوان بعد السد العالي موطنا للتماسيح. يكشف الكتاب أيضا كيف فقدت مدينة القاهرة على امتداد المئات من السنين الكثير من قصورها التاريخية ومساجدها الأثرية وعددا من عمائرها. كما يقدم الكتاب بالإضافة إلى الصور لمحات تاريخية عن أهم الآثار في مصر مثل تمثال أبي الهول وهو في الأصل كتلة صخرية ضعيفة على حافة هضبة الجيزة، تركها بناة الأهرام الذين اختاروا أجود وأصلب الأحجار، ولما كانت تلك الكتلة الصخرية تعوق النظر إلى الهرم الثاني، فقد أمر صاحبه أن تنحت تلك الصخرة على شكل أسد رابض، له وجه آدمي يحمل ملامح الملك نفسه. بالإضافة إلى آثار مدينة القاهرة قدم الكتاب صورا وشروحات للعديد من المعابد، ولعل من أهمها معبد الأقصر وهو جزء من المعبد الذي شيده الملك أمنحتب الثالث من الأسرة الـ18 على الضفة الشرقية للنيل، ثم استكمل في زمن توت عنخ آمون وحور محب ورمسيس الثاني. جدير بالذكر أن كتاب “مصر في عدسات القرن التاسع عشر”، صدر في طبعة فاخرة أنيقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي (مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية بإسطنبول)، ويضم مجموعة كبيرة ونادرة من الصور الفوتغرافية التي تجسد الحياة والآثار في مصر في القرن التاسع عشر، والتعليق على كل لوحة (عربي – إنكليزي) أعده وأشرف على إخراجه أكمل الدين حسين أوغلو ومحمد أبوالعمايم وأحمد محمد عيسى وإبراهيم النواوي.
مشاركة :