شاعرة مغربية ترى أن المرأة أرض مصغرة

  • 4/6/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

روائية وشاعرة ومترجمة مغربية من مواليد مدينة فاس، حاصلة على ليسانس أدب فرنسي وعربي، لها خمسة إصدارات، ثلاثة دواوين شعرية وروايتان، وهي "وشم العار"، "في قلبي جنة حواء"، "رسائل السماء"، "كوابيس الملائكة"، "عروس الظلام". في هذا الحوار، سنحاول سبر غور جليلة التي امتهنت سبر أغوار الأشياء، لنستطلع من دواخلها صورة حاضر نريده إبداعيا بامتياز، متطلعين معها صوب غد نريده أيضا، كما تريده هي دائما، مشرقا بصور إنسانية خلاقة، تتسع شموسه لتسكن كل زاوية من عالم الناس المدججين بالحزن والصبر معا، علنا نتغلغل ونحن نمسك يدي جليلة في أعماق البحار والتراب، ثم كل ساكني هذا الكون المدهش. قالت في بداية حديثها: الشعر مجرد خواطر أتنفس مرات عبره، تحت ضغط موقف صعب أو مشاعر معينة تجاه أناس قريبين أو أحداث بلد جريح، ومرات لأتغزل في الحياة متعة بلحظات مفرحة أو مشاركة وجدانية مع من شعرت بتفاصيلهم المفرحة حولي. لكن النثر والرواية خاصة تظل هي ملاذي لتقمص حالات إنسانية بصمت على ذاكرتي أو هزت مشاعري، تمريرا لرسالة إنسانية قد تفيد من يمر بنفس المواقف أو مر بنفس المآسي، فالمشاركة غالبا تعظ وفي نفس الوقت تبسط ما نراه نهاية الكون حين المحن، وأملا مفرحا نتحزم بوهجه عند النهايات المكللة بالنصر ولو بشبه الكمال. أما بالنسبة للترجمة فأنا مؤمنة برسالتها نحو الآخر الذي يجهل لغة ما، فيتشارك نفس التجارب أو يتعرف على آخرين من غير جنسه أو انتمائه الفكري، بتلاقح إنساني وحده يضمن التقارب الحضاري الممكن، للسير بعدها نحو الأفضل لجميع الأمم. وقد مارست الترجمة مجاملة مرات، لكن لا أمارسها الآن إلا لأعمالي، ولدي روايتان باللغة الفرنسية، إحداهما كتبتها منذ سنوات عديدة وظلت في الأدراج، لتفرغي الكامل آنذاك لأسرتي الصغيرة، وسأخرجها قريبا للنشر. أما المقالات فليست عديدة وربما لمواقف اجتماعية مثل بعض الكوارث التي تحصل في كل مجتمعات متشابهة فكرا، أو إنسانية تمر بنا غالبا فتؤثر حد دفعنا لكتابة سطور فورية. فقبل الآن كانت دون اهتمام بخفايا سياسات دول معينة، لكن بدافع إنساني أمام ما شاهدنا وعشنا تفاصيله من مذابح الغرب أيام البوسنة وغيرها، وإفريقيا كرواندا مثلا والسودان، ومنطقة الشرق الأوسط وصولا نحو ليبيا وتونس، دون نسيان أفغانستان سابقا، ثم زحف سيول الدم بلا توقف نحو كل البقاع ولو تهديدا لحدود البقية لآمنة. وهذه لا تعتبر مقالات بقدر ما هي مزيج منها ومن خواطر، كما عدم دراية بأغوار الأمور إلا بعد زمن من كتابتها ولو بمصداقية، في عدم نضج كاف خاصة في الإلمام بكل زوايا المواضيع، قبل البث فيها والكتابة عنها بحيادية. وترى جليلة مفتوح أن الصدق في الإحساس بالأحداث وحده يربط الروائي بالمتلقي، فيتشاركان معا الصور والأحداث، وما بينهما أو وراءهما من التفاصيل الإنسانية، وموهبة الكتابة الفاتنة وليست فقط دراية برص الكلمات، لأن الموهبة المصقولة بثقافة مقبولة والصدق في المشاعر، تجذب نحوها القلوب بلا جهد، مادام الاكتمال يتم داخل الأحداث المروية بجمالية فنية، رابطا بين الروائي والمتلقي على منهج عطاء الأول الخصب، والخيال السارح بالأخير إلى أبعد مدى. وتوضح أن في "كوابيس الملائكة" كان العنف الأسري، الصانع الأول لكوابيس الطفلة، تلاه التحرش والاغتصاب باسم الزواج، كأهم نقاط المعاناة الجهنمية التي تلقفتها صبية. مع بث نوافذ على جنان عابرة طبعا، صنعت منها مقاومة بالوراثة والطبع حتى للموت، الذي يزورها رغبة كلما ضاقت سبل الخلاص. وفي رواية "معبد في الجحيم" كان الزواج بالإكراه الظرفي، هروبا من استباحة أبشع في الشارع وغيره، معاناة أخرى أكثر توحشا بين أوردة الصبية التي تحولت من طفلة إلى امرأة دون أن تميز متى وكيف، سوى مقاومتها الروحية للبشاعة، والحلم بمعجزة تساهم هي بكل طاقتها وإمكانياتها المحدودة في تفجرها، مكابرة في تحديها لزوابع ظروفها، لعلها تنجح في جعل مركبها يرسو على شط الأمان. أما في رواية "حور من تراب" فقد كنت أكثر جرأة، لأن الأحداث تطلبت تعرية الأشخاص خاصة نساء بالغات، في لمس الجرح المفتوح في الخفاء، لتنظيفه قبل معالجته ومنع تعفنه المميت إنسانيا. وقد ركزت على المرأة أكثر، بتمرير الرسالة إلى الذكر ليفقه سر التعامل تكملة لمجتمع سوي، لا يوصل فرد فيه رسائله السلبية نحو محيطه أو الأطفال بصفة خاصة دون وعي منه، فهم يحملون خبايانا ولو كتمناها، أو توهمنا أنهم لا يشعرون ولا يفهمون. فكان الجنس الطابو الأول الذي اخترقته على مهل. أما الدين فوسط بلد لا تشدد فيه ويعتبر المسموح فيه شاسع الزوايا، كمحور للتعايش منذ القديم، فقد تشاركت المواقف الإنسانية والاجتماعية في رواياتي الثلاث والجزء الرابع القادم نماذج من الأقليات الدينية كاليهود المغاربة مثلا، وهذا يمس حتى دولا أخرى، لها نفس المنهج في السمو بالمواطنة عباءة تضم الجميع، دون المساس بأمن البلاد والعباد. روايات "كوابيس الملائكة" و"معبد في الجحيم" و"حور من تراب" وبقية الأجزاء، ترافق فيها البطلة المحورية رغم تعدد الشخصيات وتنوعها، رفيقة طفولتها اليهودية الديانة عبر كل تجاربها، بين رفيقات ندرن حولها لطول كفاحها، سواء داخل البلد أو من خارجه حين تتزوج الأخيرة، ثم تعود للاستقرار في وطنها الأم المغرب زارعة روح الانتماء في روح ابنتها، كما زرعت والدتها داخلها نفس المبدأ الوطني، متحدية بعض أهلها الذين رحلوا نحو إسرائيل، وخاصة زوجها الفرنسي الجنسية، الذي فوجئت بهجرته ذات صباح دون إنذار لمعرفته بمعارضتها. وتقول جليلة مفتوح: هنا أردت أن أركز على الفرق بين الديانة اليهودية كمعتقد سماوي، وبين الصهيونية كمنظمة دموية وسياسة إلغائية متطرفة، وهذا واقع يفرض نفسه خاصة في عصر نحاول فيه، خلق حياة أفضل والوصول إلى الآخر الذي يجهلنا، بعيدا عن الشعارات التي تحرق الأخضر واليابس على السواء، ولا تنجح إلا التقسيم والتجزئة والتفرقة البغيضة. أيضا رواية "حور من تراب"، حملت نماذج من نساء اندمجن في المجتمع المضيف، أو يحاولن التكيف لعيش أفضل، ضحايا الهجرة السرية من إفريقيا السمراء، أو عبور ضحايا المذابح من سوريا كمثال، وفلسطين كمأساة أصبحت قطعة من هوية الجميع، والغوص في روح بعض نساء يحاولن العيش بكرامة، في بحثهن عن الأمان في الحب والعمل، مثلهن مثل بقية نساء الوطن البديل، في تكامل اجتماعي أنثوي شامل، بانتصار للجمال الكامن والمعلن زرعا للأمل بقانون الاستمرارية. والفوارق الطبقية في عصرنا تلغى من ذاتها، بإصلاح المجتمعات وتوفير فرص الشغل والتعليم، اندماجا في العالم الذي أصبح قرية صغيرة، تفرض قوانينها الحقوقية الإنسانية على الجميع، ارتقاء بالأوطان والكون ككل. وأضافت: قد أبدو مبسطة لكل التعقيدات لكني أرى الأمور دوما أسهل، إن فتحنا عقولنا للتنوير وقلوبنا للآخرين مهما تكن مستوياتهم. وهذا أدخلته أيضا في رواياتي، خاصة "حور من تراب" حين تصبح النساء صديقات ومتشاركات توحدهن المعاناة والكفاح لارتقاء شامل، حتى بين مديرة المنزل وربته، فتتكفل الأخيرة بتبني بنت الأولى عند وفاتها، والتي حملتها في أحشائها أثناء تعرضها لاغتصاب عابر، وهي تطرد من بيت أولادها جحودا ذات ليلة، كمثال على ما تتعرض المرأة له من قهر، لو أحب الأب أن يقايض تحيز الأولاد بالمال نكاية في الأم فيكسب مرات، في عصر يشبه عصورا أخرى، حين تسود المادة كل المجالات. وأيضا ظاهرة الانحراف التي تعاني منها مجتمعات بكاملها دون استثناء، كل حسب كفاءة حربه على الجهل والأمية و البطالة. وعن رأيها في بعض الكتاب العرب والمقارنة بينهم وأسلوبها في الكتابة قالت جليلة مفتوح: لا أقارن بين أديب وآخر حين أقرأ، وأحب الكتابة بطريقتي كما هي فأسعد مرات بما أسطره، دون فقد متعتي بقراءة ما يسطر من سبقوني واللاحقون، فالتميز يزيل كآبة الرتابة فيسعد القارئ أكثر. ورغم أنه يقال عني لدي سلامة اللغة ورونقها، إلا أني في الرواية أتجنب التعقيد، ربما لطبعي الذي يختنق بالقيود ولا يتحمل صعوبة التلقي، وحبي الوصول إلى قلوب الجميع والعقول بسرعة زمننا، رغم تربيتي على الانضباط في نفس الوقت. ولا أعطي اللغة بطولة مطلقة، لكن أطوعها حسب استطاعتي لتوصلني إلى القارئ أينما يكون، اختلاف لهجاته في الدول المبدعة باللغة ذاتها، سواء عربية أو غيرها. فممكن أن يتخيل القارئ الحدث أو الحالة بلهجته المحلية الخاصة، ولا أحبذ اللهجات المحلية في الحوار حتى لا أثقل على من لا يفهمها، وفي نفس الوقت أجعلها من حق الجميع. لكن على مهل قد أدخلها مبسطة ومفهومة للتعريف لا أكثر. خاصة أن الأحداث هي نفسها قد تحدث في أية بقعة من الأرض وليست غرائبية الحدوث. وتقول عن المكان في أعمالها: المكان له أهمية قصوى مرات عديدة، لكن في بعض الأحيان لا يصبح مهما حين تستبد بعقولنا فكرة قوية أو حدث نراه يليق بالتدوين. والخواطر نثرية أو مقفاة غالبا تكون فورية، ولو في أماكن عامة وبين حشود من الناس، وكأنها تخترق المسافات والأجواء تنفيسا عن صدورنا أو تحريرا للكلمة. والرواية تتطلب تفرغا ولو كتبت بسلاسة في وقت قياسي إن كانت بسيطة الأحداث، أو صعبة السرد والترتيب حسب تعقيدات وتركيبات الأشخاص نفسيا واجتماعيا، وحسب تنوع الأمكنة والزمان. وعن النقد وهل يواكب إبداعها قالت الكاتبة المغربية: النقد البناء مطلوب لبلورة الموهبة وصقلها إبداعيا، لتكملة الوصول نحو الهدف الإنساني المنشود، لكن النقد الذي يصبح جلدا للجلد، يحبط الكثيرين ويصيح عائقا للمبدع غير القوي مثلا على التحدي بالعناد. والثاني نراه في كل مكان دون دراسة فنية غالبا ودون محاولة الغوص في أعماق الكاتب لجره نحو الأفضل. أما النقد القوي إبداعا فهو يوقف رداءة التأليف، مساهما في تطوير المجتمعات والمجال الإبداعي، سواء فنيا أو أدبيا وعلميا. وترى جليلة مفتوح أن الترجمة تحتاج إلى إجادة اللغة الأصلية والمترجم إليها بنفس المستوى، وتحتاج النزعة الأدبية وموهبة الدخول بين تفاصيل النص والمؤلف على السواء، ولهذا أحبذ الترجمة أدبيا لو كان النص أدبيا. وغير هذا تتطلب مستوى لغويا جيدا لا أكثر، حين يتعلق الأمر بترجمة علمية أو لوثائق رسمية أو غيرها والمقالات كما دراسات أكاديمية. وترى أن التجديد مطلوب لمواكبة العصور في كل زمن، والاجتهاد ليس محصورا على شخص دون آخر، مادام الإبداع يحتفظ بالطابع الطربي للنص، فالشعر أصلا وجد طربيا وكان لغة متداولة يفهمها الجميع من كل الطبقات، ليس كاليوم الذي أصبحنا مطالبين فيه بخوض غمار كل الثقافات واللغات المدرسة أكاديميا، وزجل يفهمه الجميع باللهجات المحلية. لكن لا يمنع أن غالبنا عاشق للشعر القديم ثم الأندلسي وغيره، كما بلهجات أوطاننا باختلاف روافدها قديما، كما أصبحنا عشاقا للحديث وأيضا بكل أشكاله، والرداءة وحدها مرفوضة في كل مجال. وأجد أن لكل عصر جمالية إبداعه حسب أجواء وبيئة مبدعيه، لأن الشعر ترجمة للحياة عامة وخاصة، سواء على الصعيد الاجتماعي أو السياسي.

مشاركة :