فوّاز الشعّار تحتفل بلدان العالم، بالمعلّم، وتخصص له كل دولة، يوماً، بحسب رؤيتها، أو لمناسبة اختارتها، تتعلق به.المعلّم يستحق هذا الاحتفال، ويستحق التكريم، في كل يوم، فهو المربّي، وهو القدوة، والمثل الأعلى لكثير من التلاميذ. العرب كانوا يطلقون عليه «المؤدّب»، لأنّهم أيقنوا أن مهمته ليست تلقين العلوم، وحسب، بل تمتزج معها التربية، لتصبح المهمتان، أدباً، وهو أرقى أنواع السلوك، ومنه سُمّيت مجموعة من الفنون الفكرية، كالشعر والنثر والخطابة.إذن، مهمة المعلّم المؤدب المربّي، جسيمة خطيرة، لأنّ من يتعامل معهم، زرع لم يونع، ويحتاج إلى عناية خاصة، ورعاية شاملة، وماء فكر نقي عذب.أين معلّمونا من هذا كلّه؟ وهل تتوافر في مدارسنا هذه المقوّمات؟ لم تألُ المؤسسات المعنية بالتعليم في الدولة، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم، أي جهد لانتقاء معلّمين أكْفاء، ذوي خبرة وباع طويل في هذه المهنة الراقية النبيلة، ولكن التساؤل، هل مخرجات تعليمنا تدلّ على هذا الرقيّ والنبل؟ في كثير من الاستطلاعات والنتائج التي تخرجها المدارس، لا يدلّ الأمر على ذلك.المسألة حمّالة أوجه، منها، تعامل بعض المدارس مع المعلّم على أنه، «موظّف» مطلوب منه ساعات عمل أكبر بكثير ممّا اتُّفق عليه في عقد العمل، وأن يحضّر الدروس حتى لو شكلياً، دون أن يمسّ هذا التحضير الجوهر، لأن المعلّم الكفؤ والمتمكّن من الطبيعي أن يكون متقناً ما سيعطيه للطلاب ومستعداً تماماً له، وتالياً فإن هذا «التحضير» يصبح غير ذي قيمة. ومطلوب منه كذلك، مراقبة الطلاب في أثناء الاستراحة، وتحضير الاختبارات وتصحيحها، وحضور الاجتماعات، وبعض الدورات التي عفا على كثير منها الزمن، وباتت من المخلّفات. ومنها عدم الإنصاف في الراتب.المعلّم الذي نعوّل عليه، هو الذي يمتلك الشهادة العلمية أولاً، ثم الخبرة الحقيقية، ثم اجتياز عدد من الدورات الحديثة في أنظمة التعليم والتربية، والإصرار على القراءة والاطلاع المستمرّين على المستجدات في تخصّصه نفسه، وفي المعرفة والثقافة عموماً، لأنّ جيلنا الحالي مطّلع ويتابع كثيراً من المستجدّات، وقد يلجأ أحد الطلاب إلى توجيه سؤال إلى معلّمه «العارف» كل شيء، بحسب رأيه، فيقع في موقف لا يحسد عليه، إذا بدا عييّاً عاجزاً عن الإجابة. والأمر المهم جداً، هو تخفيف الأعباء غير الضرورية عن كاهله، وإنصافه بالراتب والمكافأة والترقية، حتى لا يلجأ إلى التدريس «الخاصّ»، وسلبياته، وما يحويه من اضطرار إلى العمل ساعات طويلة بعد عمله في المدرسة، وهو يجوب المدينة من منزل إلى منزل، أو أن يعطي أسئلة الامتحان، أو «يلمّح» إلى ما فيها، ثم يعود منهكاً مهدوداً، ما يؤثر في حياته الاجتماعية سلباً، وينعكس على أدائه. نبني الأجيال بالمعلّمين المربّين المؤدِّبين، وهذا يحتاج إلى إرادة حقيقية في الحصول على من يتمتّعون بهذه الصفات، وتضحية وتنازل من المعنيين، فهؤلاء كنز أغلى بكثير من تكديس الأموال، وزيادة الرسوم على الطلاب وأولياء أمورهم، فالعلم بناء ونهضة بعيدان تماماً عن عالم التجارة والربح السريع. Fawazalshaar27158@gmail.com
مشاركة :