أمل سرور ما إن تدخل ركن مبادرة «بركة التراث» يجذب الانتباه هذه الوجوه التي تحمل تجاعيد تخفي وراءها لا محالة أسراراً تثير فضولك فتقرر الاقتراب منها. هو ركن تراثي ذو طابع خاص يخفي في قلبه تلك البراقع القديمة التي لا تزال السيدات يتمسكن بها، تستطيع أن تلمح أيديهن وهي تعمل بسرعة وخفة يُحسدن عليها، تنسج كل ما يحمل رائحة الأصالة.إنها تلك المبادرة التي تحتفي بكبار السن، الذين يمثلون ذاكرة المجتمع التي لا تنضب، وخلاصة تجارب الحياة، هم «بركة التراث والدار» ولولاهم لانطمست المعارف الشعبية واندثرت العادات. سرعان ما يزداد يقينك بفلسفة الإمارة الباسمة واحتفائها بكل ما يمت للماضي بصلة، خاصة الاهتمام بفئة كبار السن، تحقيقاً للأهداف الاستراتيجية الخاصة بانضمام الشارقة للشبكة الدولية للمدن المراعية للسن.بكل الود والحب كان استقبالي في ركن بركة التراث، افترشت الأرض بجانب تلك الوجوه الأصيلة من الجنسين، لأشم رائحة زمن لم نعشه، ولكننا مازلنا نحيا على أمجاده.كان راشد سالم يتوسط الخيمة جالساً وسط كم لا بأس به من أدوات الصيد ونماذج من سفن خشبية صُنعت لتحاكي البيئة البحرية قديماً. تحدث وهو ينظر بعينيه إلى شباك الصيد: إنها أثمن ما لدينا بعد قواربنا، وهي تلك الخيوط التي تجمع لنا الرزق والخير من مياه البحر، وبها تعلق في مواسم الصيد أنواع كثيرة من الأسماك، وكل حجم له نوع معين من الشباك. المهنة قديماً كانت شاقة جداً وكنا كأطفال صغار نحب البحر بالفطرة، وكانت الأدوات تقليدية للغاية، إلا أن صيد الأسماك كان ولا يزال جزءاً من تراثنا وحاضرنا ومستقبلنا. أحمد يوسف عبد الله الذي كان ممسكاً بميزان اللؤلؤ تدخل في الحديث قائلاً: كنا نعتبر الغوص قديماً «عيشتنا الأولية» أي مصدر رزقنا للعيش، فهو باب الدخل الأهم عندنا في الماضي، والغوص بحثاً عن اللؤلؤ يحتل مكانته اللائقة في التراث الشعبي للإمارات، فهو يبرز أصالة الإنسان في المجتمع الإماراتي، ونحرص على هذا التاريخ، لأنه يمثل لنا الجذور الحقيقية. وكثيراً ما عاني أجدادنا في مهنة الغوص، لأنهم مروا بمراحلها الكثيرة، فالغواص الجيد كل ما عليه فعله قبل الغطس تجهيز عدة الغوص كاملة، ومن ثم أخذ نفس عميق مع ربط شبكته بإحكام، والشبكة هي الوسيلة التي سيتم من خلالها تجميع اللؤلؤ ووضعه فيها بكل حرص شديد، حيث تكون مدة بقاء الغواص في أعماق البحر ما لا يزيد على دقيقتين ونصف ثم يهز الحبل منبهاً زملاءه لسحبه إلى السطح، برفق قبل أن ينقطع عنه الأكسجين.ومن عوالم البحار والغوص بحثاً عن اللؤلؤ، افترش مع الجدات الأرض لأرى عن قرب ما تنسج أياديهن.أم أحمد من خورفكان تحدثت عن الخوص الذي تنسج منه العديد من الأواني المنزلية بالقول: نصنع الكثير من الأغراض التي تستخدم في حياتنا اليومية، ومنها مثلاً «الشلبدان»، الذي يستخدم لوضع المكحلة بداخله، وهناك أوراق السعف التي تصبغها بألوان مختلفة، أما طريقة الحياكة فتكون بوضع كميات من السعف، وبالتالي تجدل كالضفائر، وتستخدم كميات كثيرة من السعف المقطع رفيعاً، وتضاف الخيوط عندما تنتهي طولياً، وتستخدم عرضياً مع القطع المستديرة والكبيرة.ومن الخوص إلى التلي، وعنه تحدثت موزة الشحي، من خورفكان، قائلة: هو الأصل وكانت النساء يمارسنه في قديم الزمان، وتسمّى هذه الحرفة «تلّي بوادل» أو «تلّي بتول»، نسبة إلى كلمة التلّي وهو شريط مزركش بخيوط ملونة أبيض وأحمر، وخيوط فضيّة متداخلة تستخدم «الكوجة» في عمل التلّي، والكوجة هي الأداة الرئيسية للتطريز، وتتكون من قاعدة معدنية على شكل قمعين ملتصقين من الرأس، وبهما حلقتان على إحدى القواعد لتثبيت وسادة دائرية تلف عليها خيوط الذهب والفضة للقيام بالتطريز. والسدو أيضاً من الفنون المهمة في تراثنا وأهم ما فيه هو الصبغ في الألوان، وغالباً ما نستخدم نباتات طبيعية في الصباغة منها الحناء لتعطي اللونين الأسود والأحمر، والعصفر ويعطي الأصفر المائل إلى الاحمرار والزعفران والكركم، أما «قرف» الرمان فيعطي لوناً مائلاً للخضرة، ويستخدم كذلك في تثبيت اللون، كما تستخدم «النيله» وهي عبارة عن قطع من الحجر الطبيعي الجبلي لتعطي لوناً أزرق، أما العرجون فيعطي اللون البرتقالي.الحاجة آمنة اشتركت في الحديث لتنقلنا إلى عالم النقوش في السدو، فقالت: نستمد زخارفنا من ألوان البادية العربية، ومن أهم النقوش الضلعة والحبوب والعين وضروس الخيل والمذخر، وهي على شكل معين، والعويرجان وتأخذ شكل خط متعرج، غير أن أصعب تلك النقوش هي «الشجرة» كونها تحتوي على أشكال بداخلها ولا تتقنها إلا الناسجة الماهرة، وتحتوي على مجموعة من النقوش المتشابكة من المثلثات والعين والحلق والمبخر، إضافة إلى أشكال الثعابين والجمال. حتى لا ننسى عبرت عائشة غابش، المنسق العام لمبادرة «بركة التراث» في معهد الشارقة للتراث، عن الفخر بانضمام الشارقة إلى الشبكة الدولية للمدن المراعية للسن، لتصبح أول مدينة عربية تحقق ذلك.وأوضحت أن الهدف من المبادرة العمل على إدماج كبار السن مع المجتمع، كي لا ننساهم، وذلك من خلال حضورهم في الفعاليات الثقافية والتراثية، ومختلف الأنشطة في الإمارة الشارقة. واعتبرت المبادرة دعوة دائمة ومفتوحة لكبار السن الذين يعملون في منازلهم ببعض الحرف، ليمارسوها أمام الجمهور في أيام الشارقة التراثية.
مشاركة :