من السنن الكونية التي فرضها الله عز وجل على الحياة أن جعلها في تغير دائم وتحول مستمر، وهي ظاهرة صحية وحتمية سواء كانت على بني البشر في طريقة معاشهم وحالهم وأرزاقهم ومآلهم أم على الظواهر الطبيعية من حولنا من اختلاف الليل والنهار وتعاقب الأيام والشهور وتفاوت المواسم والدهور، إذ لا يستقيم أمر دام على ما هو عليه ولا يمتد حال ويستمر على نفس المنوال، فالتغير من حال إلى حال سبب في ديمومة الحياة وتطورها ونموها.فالتحول من وجهة نظري الخاصة أعتبره انتقالا وتبدلا في خاصية الأمر وخصوصيته وكينونته من وضعه الحالي إلى وضع مغاير عن ذي قبل، حيث يمكن من خلال هذا التحول أن نلمس تجدد هذا الأمر وحداثته واختلافه في شكله ومضمونه وطريقته وغايته، وقد يكون هذا التحول سياسيا أو تنظيميا أو إداريا أو اجتماعيا، وهذا هو المطلب من التحول الإيجابي، فشرط التحول أن يكون أثره متعديا وشاملا ومنهجيا ومخططا له ويستلزمه تبادل وتشارك معرفي حتى يؤتي أكله وتجنى ثماره وهذا الهدف الاستراتيجي من التحول المنهجي الإيجابي.فالقوة الناعمة ضرورة إلزامية تتزامن وتتماشى جنبا إلى جنب لتحقيق مزايا التحول، وقد أشرت في بادئ المقال لماهية التحول وسأعقب ذلك بتوضيح ما أرمي إليه من مصطلح القوة الناعمة وأهمية وجودها كشرط لتدعيم استراتيجية التحول؛ فإذا أردنا أن نتعرف أكثر على القوة الناعمة وأساليبها السحرية يجب أن نتعرف أكثر على عكسها وهي القوة الصلبة، والتي تعتمد في تطبيقها على الوسائل والأساليب القهرية والإجبارية في الهيمنة والاستحواذ والسيطرة في مختلف استخداماتها، إما باللجوء إلى الخيار العسكري أو التهديد بالاحتلال أو التلويح بإجراء المناورات للجيوش العسكرية وعمل التجارب النووية، هذا إذا ما تحدثنا عن الجانب السياسي والعسكري بين الدول. أما فيما يخص الجانب الإداري والتنظيمي في الشركات والمنظمات على مختلف أنواعها التجارية الخاصة والحكومية العامة والمختلطة بين هذه وتلك فنرى أن استخدام القوة الصلبة يكمن في وجود رئيس أو مدير تنفيذي يستخدم نفوذه وقوته ويستغل منصبه لتطبيق ما يسميه متخصصو علم النفس والسلوك التنظيمي بـ «الرهاب الإداري» وإيقاع العقوبات الصارمة على موظفي المنظمة والتهديد الدائم بالفصل أو الخصم أو النقل أو باستخدام أساليب تعسفية كطريقة التوبيخ اللفظي والتقليل من أي جهد أو عمل إبداعي ومحاولة التهميش وعدم الالتفات لمنجزات الموظفين وعدم الاستماع لشكاواهم، واتباع سياسة الباب المغلق لتمرير قراراتهم التطفيشية في محاولة لتثبيط الهمم لدى الموظفين وإضعافها، وبسط السيطرة والنفوذ بتلك القرارات الجائرة، مما يعمل على فك الارتباط التنظيمي بين الموظفين والإدارة، وبالتالي انتهاء الولاء بين الموظف ومنظمته، وانخفاض الروح المعنوية العامة المؤدي إلى وأد عملية التحول وفشلها باستخدام هذه القوة البائسة وهي القوة الصلبة.فاستراتيجية التحول تتطلب سيطرة القوة الناعمة واستحضارها في الموقف وهي التي تتمكن من الاستحواذ الفعلي والكامل على الموقف، وهي القوة المؤدية إلى عقد التحالفات السلمية بالأساليب اللبقة والطرق الدبلوماسية، وهي التي تبدأ من منطلق ديننا السمح وإسلامنا السهل، حيث قال عز وجل في محكم تنزيله (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) سورة آل عمران الآية (159).فالقوة الناعمة هي الأناقة والرقي في التعامل والبديل الحتمي للقوة الصلبة المنفرة، والتي تتجلى على الصعيد السياسي فيما فعله المسلمون الحضارم بنشر الإسلام في شرق آسيا وإندونيسيا عن طريق التجارة والمعاملة الحسنة والقدوة والأمانة، فكانت هذه قوتهم الناعمة في أسر القلوب، وأيضا ما تفعله المملكة مؤخرا من إبراز للنواحي الثقافية والأدبية والتجارية والاقتصادية، وعقد التحالفات مع الدول الأخرى، وأيضا على الصعيد الإداري والتنظيمي، حيث تبرز القوة الناعمة في السماح للموظفين بالمشاركة المعرفية فيما بينهم والسماح لهم في صنع القرارات المصيرية لمنظمتهم ودعم الإدارة العليا لذلك، واتباع سياسة الباب المفتوح والسماح للموظفين بالتشارك المعرفي غير الرسمي مع المديرين والتنفيذيين في جو أسري خارج أسوار المنظمة، وإعطاء الصلاحيات، والوضوح في التعامل واحترام الموظفين وتبيان حقوقهم وواجباتهم تجاه المنظمة وواجبات المنظمة تجاههم، حيث يعمل ذلك على تقوية العلاقات ومن ثم زيادة الروابط والولاء التنظيمي، وهذه القوة الناعمة لتحقيق مشروع التحول الوطني 2020 والرؤية 2030 في المجالات كافة بإذن الله تعالى.Yos123Omar@
مشاركة :