وزارة التعليم وراء عزوف الشباب القطري عن «التدريس»

  • 4/12/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

فتحت «العرب» ملف عزوف الشباب القطري عن مهنة التدريس؛ حيث أرجع تربويون ومتخصصون سبب هذا العزوف إلى وزارة التعليم والتعليم العالي نفسها، ووجهوا إليها أصابع الاتهام، معتبرين أنها لا تقوم بالدور المنوط بها، من حيث الترويج لمهنة التدريس بالشكل المطلوب لدى الشباب القطري، فيما رأى عدد من المهتمين أن بعض المعلمين يتحملون المسؤولية، بسبب الشكوى المستمرة مما يعانون منه في هذه المهنة.أشاروا أيضاً إلى أن هناك أساليب كثيرة يمكن من خلالها ترغيب الشباب في الإقبال على هذه المهنة، منها الحوافز المادية والمعنوية. وشددوا على أن نظرة المجتمع للمعلم يجب أن تتغير، على اعتبار أنه أحد أهم الأطراف الأساسية في المجتمع التي تعمل على تنشئة الأجيال بشكل يخدم الوطن. كما اعتبروا أن بعض الشباب يرغب في الحصول على وظائف سهلة، بالإضافة إلى أن مهنة المعلم تحديداً تحتاج إلى مواصفات وقدرات خاصة غير موجودة في الكثيرين. على الجانب الآخر، اشتكى عدد من طلاب كلية التربية بنين في جامعة قطر من عدم وجود تخصصات علمية لديهم أسوة بكلية التربية بنات جامعة قطر، كذلك لا يحقّ للبنين التسجيل إلا في قسم التعليم للمرحلة الثانوية فقط. معتبرين أن السبب في قلة أعداد الطلاب القطريين الملتحقين بكلية التربية يعود بالأساس لعدة أمور؛ أولها النظرة الدونية في المجتمع لمن يمتهن مهنة التدريس والنظر لباقي المهن نظرة أفضل حالاً منهم، بالإضافة إلى أن الكلية تعرقل استفادة الطلاب من المناهج الدراسية، من خلال رفضها توفير أساتذة وإجبار الطلاب على سماع المحاضرات من خلال تقنية (البث المباشر للمحاضرة التي تُلقى على طالبات كلية التربية) ، مطالبين بأهمية توفير تأمين صحي للعاملين في مهنة التدريس وأسرهم. وقالوا أيضاً: «كذلك توفير آلية للحماية من الاعتداءات التي ربما يتعرض لها بعض المعلمين من الطلاب، خاصة مع تقارب الأعمار بين المعلمين وطلاب المرحلة الثانوية». جاسم الخلفان: يجب أن تغلب الهوية الوطنية على هذه المهنة قال الطالب جاسم الخلفان: إن ما تقوم به الجامعة وكلية التربية بالتحديد لاستقطاب القطريين للالتحاق بمهنة التدريس، لا يأتي بمخرجات حقيقة على أرض الواقع، وهذا بسبب التعنّت مع البنين منتسبي كلية التربية جامعة قطر. وشدّد على ضرورة تغيير نظرة المجتمع لمهنة التدريس، وأوضح أن جميع الوظائف في الدولة لها مميزات لا يحظى بها العاملون في مهنة التدريس، وأبسط هذه الطلبات توفير تأمين صحي للعاملين في مهنة التدريس على غرار باقي المهن. وقال: إن نسبة القطريين في مهنة التدريس ضعيفة جداً مقارنة بالوافدين، معتبراً هذا الأمر من الأزمات التي يجب حلها.. فمهنة التدريس من المهن التي يجب أن تغلب عليها الهوية الوطنية للعاملين فيها، لأنها المهنة التي يخرج منها للمجتمع باقي المهن». وأكد أن وزارة التربية والتعليم العالي لا تقوم بالدور المنوط بها، من حيث الترويج لمهنة التدريس بالشكل المطلوب، وهذا من خلال القيام بتوفير زيارات ميدانية لطلاب الثانوية العامة لأماكن مختلفة. وأوضح الخلفان أن الاستقطاب لمهنة التدريس يتم للخريجين الجدد، ولا يوجد استقطاب لمن لديهم الرغبة في الالتحاق بمهنة التدريس، ولكن قضوا أعواماً في وظائف أخرى ولديهم وظائف مستقلة. د. صالح الإبراهيم: المسؤولية في رقبة بعض المعلمين قال الدكتور صالح عبد الله الإبراهيم، مدير مدرسة الدوحة الثانوية للبنين: «إن الإعلام أخطأ كثيراً في طريقة تناوله لمهنة التدريس، سواء في السينما أو الدراما، ومن خلال هذا المضمون شُكلت صورة ذهنية سيئة لدى المجتمع بأكمله عن شكل المعلم وهيئته وأسلوبه، بالإضافة إلى أن المعلمين أنفسهم كانوا سبباً في عزوف قطاع كبير من الأجيال عن هذه المهنة؛ بسبب الحديث عن مدى ما يعانونه أثناء العمل في التدريس، بل وصل الأمر لبعض المعلمين بتقديم النصح لأبنائهم بالهرب من هذه المهنة والبحث عن المهن التي تمتاز بميزات اجتماعية ومادية أفضل». وعبّر الإبراهيم عن استيائه من أن «جميع المعارض والملتقيات الوظيفية بها ممثلون عن مؤسسات وشركات مختلفة لاستقطاب الطلاب، سواء لمهن كمهنة الطبيب أو المهندس وغيرها من المهن، ونفاجأ بغياب تام لمهنة المعلم والترويج لها بشكل يليق بها وبأهمية وجودها في المجتمع». وطالب الإبراهيم بضرورة مدّ من يلتحق بمهنة التدريس بالمزيد من الحوافز والتقدير على جميع المستويات المادية والمعنوية، وأهمية عودة قدسية هذه المهنة في المجتمع. وأكد أن مهنة التدريس هي المهنة الوحيدة التي تعتمد على الخلفية التعليمية السابقة لمن يمتهنها، بداية من مراحله التعليمية الابتدائية إلى المرحلة الجامعية؛ لذلك فمعلوماته وقدراته الثقافية والتعليمة عالية بدرجة كبيرة؛ لذلك قد يعزف البعض عن هذه المهنة خوفاً من المهارات والقدرات التي تتطلبها. ونوّه الإبراهيم بأنه قام بعمل مبادرة في مدرسة الدوحة الثانوية للبنين، قامت بهدف الترويج لمهنة التدريس بين الطلاب القطريين، وتم ذلك من خلال تدريب عدد كبير من الطلاب القطريين على التدريس باللغتين العربية والإنجليزية، بعد أن تم تزويدهم بالحد الأعلى من معايير وزارة التعليم والتعليم العالي، وتمنّى الإبراهيم أن تتحول مبادرته إلى مسار تعليمي أو مدرسة خاصة بإعداد المعلمين لسد الحاجة إلى زيادة وجود الكادر القطري في المدارس. حسن الأحبابي: ضغوط ومسؤولية العمل في التدريس تتطلب قدرات خاصة أكد السيد حسن الأحبابي، مدير مدرسة صلاح الدين الأيوبي الإعدادية للبنين، أن هناك أسباباً حقيقية تؤكد عزوف البعض عن العمل بالتدريس، يأتي في مقدمتها تدنّي النظرة الاجتماعية لمهنة المعلم، والنظر إليها على أنها من المهن الأقل شأناً في المجتمع مقارنة بالمهن الأخرى، بالإضافة إلى أن هذه المهنة بالتحديد تفتقد عناصر الجذب اللازمة التي تجعل المواطن يعشق هذه المهنة ويتشبث بها، إلى جانب ضغوط ومسؤولية العمل في التدريس التي تتطلب قدرات ومواصفات ذاتية خاصة، فيما يعتبرها أغلبهم لا تلبّي تطلعاتهم وطموحاتهم المستقبلية. وشدد الأحبابي على ضرورة تشجيع القطريين على الانخراط في مهنة التدريس، وذلك من خلال أساليب مختلفة أولها ضرورة تغيير نظرة المجتمع إلى المعلم، لافتاً إلى أن البداية من المعلم ذاته بحيث ينظر لنفسه باعتباره قدوة ومثلاً أعلى. وتغيير هذه النظرة النمطية نحو المعلم مسؤولية مجتمعية يلعب فيها الإعلام دوراً كبيراً، وهو أمر يرتبط بالثقافة العامة السائدة، والبحث عن عوامل مشجعة ومحفزة على المستوى المهني والمادي سيساعد كثيراً في هذا الإطار. مضيفاً أهمية اللجوء إلى العمل بالآلية التي يضمن بمقتضاها النظام التعليمي امتلاك المعلمين الحد الأدنى من المهارات الفنية والمعارف المطلوبة في مادة التخصص ومبادئ التدريس واستراتيجياته، وكذلك إدراك طبيعة المتعلم ونموه النفسي والجسدي، والعمل على إيجاد أدوات تكنولوجيا التعليم والقياس والتقويم وإدارة الصف. وأكد الأحبابي ضرورة تضافر جهود الدولة والمجتمع، بحيث تصبح لمهنة التدريس معاييرها وأسسها ومبادؤها وأخلاقياتها، ومساعدة المعلم بكل الطرق سواء بدورات تدريبية أو ورش تساعد المعلم على الإلمام بالمادة الدراسية وطرق تدريسها وأساليب تقويمها. محمد المري: إجبار طلاب كلية التربية بنين على تخصص واحد فقط قال محمد المري، المتحدث باسم طلاب كلية التربية بنين جامعة قطر: إن إغلاق كلية التربية في وجه البنين في فترة ما لم يكن الحل الأنسب لحل مشكلة المحدودية في العدد. واعتبر أنه ليس منطقياً أن يُجبَر الطلاب في الكلية على تخصص واحد فقط، ألا وهو «الدراسات الاجتماعية»، موضحاً أن التواصل مع إدارة الكلية لم يكن له أي مردود إيجابي؛ حيث كانت جميع الردود تتعلق بمشكلة محدودية عدد الطلاب وأن هذا هو السبب وراء عدم فتح الكلية لتخصصات جديدة، مؤكداً أن الكلية لا تشهد إقبالاً بسبب عدم مراعاة ميول الطلاب ورغباتهم في التخصصات المختلفة؛ حيث إن الكلية لا يوجد بها تخصص علمي واحد. ونوّه بأن ما تقوم به الكلية لاستقطاب الطلاب الجدد يعدّ استقطاباً وهمياً حين تقوم الكلية بقبول طلبات الطلاب وتقديم الوعود لهم بأنه سيتم فتح تخصصات جديدة. وتطرّق المري أيضاً إلى صعوبات أخرى، منها آلية طرح المقررات الدراسية لبعض المواد؛ حيث إن في حال عدم توافر أساتذة لبعض المقررات يكون الطلاب البنين مضطرين لمتابعة المحاضرة من خلال آلية (فيديو المحاضرة) التي تجري في التوقيت نفسه في كلية التربية للبنات، وهذا يتنافى مع فكرة تفاعل الطلاب مع المضمون المطروح للدراسة، خاصة أن مواد كلية التربية تحتاج لتشبّع الطلاب ليكونوا قادرين على طرح الأسئلة والتفاعل بشكل جيد ووصول المعلومات بشكل واضح. وعبّر المري عن استيائه من بعض القوانين الصارمة بكلية التربية بنين، والتي لا تتمتع بأية مرونة من عدة نواحي، كمراعاة عامل العددية للطلاب، كذلك عدم فتح المقررات الدراسية إلا في أوقات محددة. واعتبر المري أن كلية التربية لديها قصور في التعامل مع طلاب الكلية من البنين، خاصة أنها تتعامل بشيء من عدم الدعم الحقيقي للطلاب البنين؛ نظراً لاكتفائها بعدد المنتسبات في كلية التربية بنات. عبد الرحمن عبد العزيز: الوزارة هي السبب قال الطالب عبد الرحمن عبد العزيز: إن الخطة الدراسية المطروحة للطلاب لا تتمتع بالمرونة أيضاً، ففي بعض الأحيان يرغب الطلاب في اجتياز مقررات معينة في فصل الربيع، بدافع الرغبة في إنجاز المقرر الدراسي والانتهاء منه، ولكن يفاجأ الطلاب بترحيل رغباتهم لتوقيت آخر ربما يتسبب للبعض في تأخّر ميعاد تخرجهم. واعتبر مطالبات الكلية للطلاب بتوفير العدد المطلوب لفتح تخصصات أخرى وطرح المقررات الدراسية، عبئاً عليهم وإلزاماً من الكلية لهم للقيام بهذه المهمة. وأضاف أنه لا يوجد تنسيق بين وزارة التعليم والتعليم العالي وكلية التربية فيما يتعلق ببرنامج «طموح»، وهو برنامج خاص بالابتعاث الداخلي لصالح الشباب القطري ومواليد دولة قطر. وتابع قائلاً: «لقد حصلت على فرصة أن تكون وزارة التعليم والتعليم العالي راعياً لي، مع شرط أن يكون التخصص الدراسي في كلية التربية لغات أو كيمياء، ونظراً لعدم توافر التخصصين ضمن ما يُطرح داخل كلية التربية خسرت وزارة التعليم والتعليم العالي كونها راعياً لي». وأوضح أن خريجي كلية التربية يحصلون في برنامج «طموح» -الذي تتبناه وزارة التعليم والتعليم العالي- على أقل راتب شهري، مقارنة ببعض منتسبي الكليات الأخرى. معتبراً هذا الأمر تفرقة أخرى في التعامل مع مهنة التدريس والنظر إليها ولمن يمتهنها على أنهم الأقل شأناً بين باقي المهن. د. سالم البكري: أساليب خاصة يمكن من خلالها ترغيب الشباب قال الدكتور سالم البكري، الخبير والمستشار التربوي: «إن مهنة التدريس والتربية بشكل عام كأنما خُطط لها أن تكون بدرجة متدنية من التقدير والاحترام لدى عموم الناس، ويبدو أن من خطط لهذا الأمر كان بدرجة عالية من الذكاء واستغرق وقتاً حتى وصل إلى ما كان يرجوه من هذا التدني». وأكد أنه لا يمكن إغفال دور المعلم كونه رمز نجاح أية أمة وعنوان مستواها ومفتاح نهضتها، فمن تحت يده تتخرج كل فئات المجتمع بقياداته وموظفيه؛ فمهمته لا تقتصر على تعليم القراءة والكتابة فقط، بل هو القدوة والمربي والنموذج الذي يُحتذى به. وقد أريد لهذا الرمز أن يتهاوى، وعمل الجميع على ذلك وبكل الطرق، سواء بعلم منهم أو جهالة.. لكنهم فعلوها؛ مما أوجد عند المجتمع صورة للمعلم على إنها وظيفة بل وظيفة متدنية. وأصبحت شخصية المعلم في الغالب غير جيدة، وأصبح المعلم مجرد موظف يأخذ راتباً نهاية الشهر وانتهى دوره بوصفه قائداً ومؤثراً ومربياً، يعمل ويُخرّج أجيالاً وقيادات تقود الأمة، وانطبع لدى الناس أنه المعلم الذي يدور بأوراقه بين بيوت طلابه يستجدي درساً خاصاً ليسدّ حاجته. وأعرب البكري عن أسفه نظراً لعدم وجود تقدير من المجتمع لهذه المهنة ومزاوليها، ولولا أن حكومتنا الرشيدة تداركت الأمر بوضع بعض الميزات المالية لهم فلن يوجد فيها أحد.. مهنة التدريس من المهن الطاردة، والتي يعاني من يزاولها من عقبات كثيرة. وأوضح البكري أن من يمتهن مهنة التدريس يعاني التعنّت الإداري من المسؤول المباشر، وكذلك يعاني صعوبة التعامل مع بعض حالات الطلاب، بالإضافة إلى معاناته التغافل وعدم اللامبالاة من بعض أولياء الأمور، كذلك عدم وجود جهة يلجأ إليها المعلم لتساعده حال تظلّمه، وعدم وجود أية مزايا أو تقدير لما يقوم به، وكثير من العقبات والإحباطات التي يواجهها طوال الوقت. وأكد البكري ضرورة حصول المعلم على مزيد من المزايا الاجتماعية والاقتصادية والرسمية، ومنحه الأولوية في كثير من مطالب الحياة كالعلاج والمنح. كما شدد على ضرورة تطوير المعلم مهنياً من خلال توفير دورات ومحاضرات خاصة تساعده على أداء عمله، بالإضافة إلى توضيح دوره لجميع فئات المجتمع ومساعدته على تقليل الأعباء المنوطة به، وتشكيل لجان تظلّم لاستقبال مظالمهم وملاحظاتهم، وتشكيل جمعية للدفاع عنهم ومنحهم صلاحيات واسعة للتعامل مع الطلاب بعد تدريبهم على ذلك جيداً. وأكد أن هناك أساليب خاصة يمكن من خلالها ترغيب الشباب القطري للالتحاق بهذه المهنة، مثل زيادة الحوافز للطلاب الملتحقين بالجامعة في هذا التخصص وضمان وظائفهم ضمن إطارهم الجغرافي ورغباتهم التخصصية.;

مشاركة :