لا حداثة بلا فردانية "١-٢" | أنس زاهد

  • 11/24/2014
  • 00:00
  • 44
  • 0
  • 0
news-picture

إذا كان الاعتماد على المنهج العلمي في التفكير وإسقاط المنهج الغيبي، هو الأساس الذي تقوم عليه الحداثة، فإن الفردية، أو بتعبير أدق (الفردانية)، تبقى البعد أو السمة التي لا تكتمل الحداثة بدونها. الفردانية تعني احترام حق الفرد فيما يتخذه من خيارات، وما يعتنقه من أفكار، وما يتبناه من قناعات، وما ينتهجه من سلوكيات. المهم هو ألا يؤدي ذلك إلى الإضرار بحرية الآخرين، أو للاصطدام بما شرعه المجتمع من قوانين، لتنظيم الحياة العامة. السؤال هو: كيف يمكن أن يتحقق كل ذلك للفرد؟ المسألة في البداية وقبل كل شيء، تتوقف على القدرة على تحجيم دور المؤسسات المسؤولة عن بث القيم في المجتمع. وحتى لا تحدث عملية لبس لدى القارئ، فإن المقصود بمفردة (قيم) هنا، لا يعني الجانب الأخلاقي، وإنما يعني الجانب الفكري. على صعيد القيم، يجب أن نفهم جيدًا أن هناك حالة اختلاط، وليس خلطا، بين جانبي الأخلاق والفكر. وهو ما يعني بأننا مطالبون بتوخي الحذر، عند التعامل مع الأفكار التي تبث قيمًا أخلاقية مستحدثة أو مكتسبة.. أي غير مستمدة مما يتفق مع الفطرة الإنسانية. هذه الأفكار التي تروج لنسق أخلاقي مستحدث أو مكتسب، هي التي تشكل عقبة في طريق فكرة أو مبدأ الفردانية. لذلك يبقى الجانب القيمي المرتبط بالأخلاق في صورتها المجردة، أي المستمدة من الفطرة مباشرة، كالصدق والأمانة والعدل، أمر مختلف تمامًا عن الأخلاق بوصفها منتجًا أيديلوجيا. بمعنى أكثر دقة، فإن القيم والمعايير الأخلاقية الناتجة عن مفاهيم مستوحاة من أنماط فكرية محددة، هي التي تشكل خطرًا حقيقيًا على الفردانية، إضافة إلى كونها لا تعبر عن القيم الأخلاقية في صورتها المجردة. على سبيل المثال فإن مفهوم العفة السائد لدى المجتمعات الذكورية، يطالب المرأة بالالتزام بهذه الفضيلة أكثر بكثير مما يفعله مع الرجل. مما يعني أن هذا المفهوم (الذكوري) يصطدم مع قيمة العدالة بوضوح. المجتمعات المتعصبة أيضًا، تمتلك نظامًا أخلاقيًا لا يستنكر اضطهاد المختلف دينيًا أو مذهبيًا، رغم ما يحتوي عليه ذلك من ظلم شديد. الفردانية إذن هي الضمانة للحفاظ على حرية الإنسان، وهي الوسيلة الكفيلة بحمايته من الظلم. وهذا يعني أنها تتسق مع قيمة العدل لو نظرنا إلى الأمر من جانب أخلاقي صرف. أما إذا نظرنا إلى الأمر من ناحية توفير المناخ المناسب للإبداع والخلق، وتكريس النسبية حيث لا مجال لادعاء الحقيقة المطلقة، ومنح الأولوية للكفاءة، وترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص، فإن الفردانية تعتبر جزءًا لا يتجزأ من مفهوم الحداثة الذي قلب موازين الحياة على وجه الأرض. لكن يبقى السؤال مطروحًا: كيف يمكن للمجتمع أن يتبنى قيمة الفردانية؟ هذا ما سأجيب عنه في الحلقة القادمة. anaszahid@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :