تحدثت البارحة عن كون الخلل المصاحب للتجربة الغربية والناتج عنها ، هو خلل بنيوي .. أي متعلق بالأسس التي قامت عليها التجربة وأقيم عليها النموذج . في مقال كهذا أو حتى في سلسلة من المقالات المطولة ، لا يسعنا تحليل مكامن الخلل البنيوي في النموذج الغربي ، فالمسألة تحتاج إلى بحث طويل ومعطيات معلوماتية هائلة ودراسات لا تحصى . لذلك سأكتفي من خلال هذين المقالين ، بطرح تصور عام عن مكمن الخلل البنيوي الذي أدى إلى محدودية فرص الإصلاح ، أو قل شبه انعدامها ، في المدى المنظور . أتحدث طبعاً عن النموذج الغربي . في رأيي أن المسألة كان لها علاقة مباشرة بفشل عملية الإصلاح الديني ، فالإصلاح يعني تبني رؤى دينية جديدة لا تصطدم بالعلم ولا تقف حجر عثرة في وجه حرية الإنسان ، لكنه لا يعني بالمقابل التخلي عن الدين واختفاء مظاهر التدين كما هو حادث في معظم دول أوروبا المتقدمة . هذا في رأيي مكمن الفشل ، فالإصلاح كان يهدف إلى تبديل وتعميق وأنسنة الفلسفة التي ينظر الناس إلى الدين من خلالها ، وليس إلى إنهاء دور الدين في حياة الناس أو تحجيمه وتهميشه وعدم التعامل معه بصفته أحد المصادر الأساس لاستلهام الأخلاقيات والقيم . من ناحية أخرى فإن محاولة الإصلاح تكتسب أهميتها ليس فقط من تحرير الدين من النزعة السلطوية للمؤسسة الكنسية التقليدية ، لكنها تنبع وبنفس القدر ، من الارتقاء بالفهم للدين للإبقاء على دوره في قيادة وتوجيه الممارسات الروحية . لقد أدى إهمال الممارسات والشعائر والطقوس إضافة إلى ضمور الشعور بقيمة الجمال ، في عدم تغطية واحد من أهم المجالات الحيوية لوجود الإنسان : المجال الروحي . وهو ما لجأت أجيال كثيرة في الغرب ، إلى تغطيته عبر اللجوء إلى تعاطي المخدرات ، والإقبال على ممارسة الهوس الاختياري الذي ينعكس من خلال العديد من نتاج الفنون في الغرب ، وخصوصا الموسيقى التي أصبح الاستماع إليها يتم في الغالب ضمن طقوسيات خاصة يغلب عليها الطابع العصابي . في ضوء هذا الواقع الأوروبي أو الغربي بشكل عام ، والذي لم يعد للمجال الروحي فيه مكان ، أستطيع القول بأن محاولة الإصلاح الديني في أوروبا باءت بالفشل ، أو على الأقل لم تعط أكلها . الدين في حياة الأوروبيين انحسر وجوده من دائرة الوعي إلى دائرة اللا وعي . والسر في بقاء الدين عاملاً موثراً على مستوى اللا شعور ، هو التراكم الوجداني والثقافي الذي يستمد حضوره في اللا شعور من عمق بعض الرموز الدينية المسيحية . ولولا ارتباط الرموز الدينية المسيحية بخلفية درامية تمتلك العديد من نقاط الالتقاء مع التراجيديا الإغريقية ، لما تمكنت هذه الرموز من أن تتحول إلى مادة خام فاعلة إلى أقصى الحدود ، على مستوى الإيحاء والتأثير . لكن حتى كل هذه العوامل تظل عرضة للتآكل المستمر بفعل نمط نظام السوق الذي حول الإنسان إلى حيوان استهلاكي. يتبع anaszahid@hotmail.com anaszahid@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :