تحدثت في مقالات سابقة عن الذاكرة الإمبراطورية التي تمتلكها بعض الشعوب، وعن دور هذه الذاكرة في بلورة المشروعات القومية لتلك الشعوب، والأمم التي تمتلكها. ولقد سبق وأن تحدثت مرارًا عن حالة الفراغ السياسي والإستراتيجي في المنطقة العربية، وعن محاولات الأمة الفارسية، لتعبئة هذا الفراغ، ومن ثم تحويل المنطقة العربية إلى منطقة نفوذ ملحقة بها. لكن ورغم كل ما يمكن أن يلحق بالأمة العربية من أضرار جراء المشروع الإيراني، فإن الضرر لا يُقارن بما ألحقه وبما يلحقه وبما يمكن أن يلحقه بنا، المشروع الصهيو - أمريكي الذي تمكّن خلال الأعوام العشرة الأخيرة فقط، من غزو العراق، ومن ثم تقسيمه فعليًّا بعد القضاء على مؤسسات الدولة فيه، ثم تقسيم السودان، وما تلاه مؤخرًا من الإطباق على خناق مصر عبر العبث بمواردها المائية، والعبث بالتالي، بأمنها الغذائي. كل ما يحدث يستوجب وجود رؤية عربية تصلح لكي تكون نواة لمشروع قومي يتصدَّى لمحاولات التخريب الصهيو - أمريكية من جهة، ولخطط الاستقطاب الإيرانية من جهة أخرى. أول خطوة في طريق صياغة مشروع قومي يقينا أخطار التخريب والاستقطاب، هو مقاومة كل ما من شأنه أن يُعمِّق الشروخ الداخلية في الجسد العربي. ذلك أن الأمة الموحدة تبقى عصية على الغزو والاختراق، في حين تعتبر الشروخ الداخلية أخطر وأقصر المنافذ لاختراق كيان الأمة، ولإشاعة الفوضى والخراب فيها، ومن ثم استتباعها والهيمنة عليها. إن العبث بوحدة النسيج الاجتماعي القائم على التعدد في الوطن العربي، هو أكبر هدية يمكن أن يقدمها العرب للأمم التي تستهدفهم. وما لم يدرك العرب هذه الحقيقة، وما لم يقاوموا كل النزعات الانفصالية والتحريضية والإقصائية التي قسمت الأمة، وعبّأتها ضد بعضها البعض، وأسقطت الهوية العربية، بل واستهدفت الهويات الوطنية نفسها لحساب الهويات الدينية والمذهبية والعشائرية والعرقية عمومًا، فإن حالة الفراغ ستتسع.. وبالطبع فإن كل فراغ يجتذب قوة أو مجموعة قوى خارجية لتقوم بملئه. لقد عمد الخطاب الطائفي الذي بات يسيطر على جزء ليس بالقليل من المناخ العام -حقيقة يجب أن نعترف بها رغم أنها لا تعجبنا- عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، إلى تقسيم العرب إلى طوائف متناحرة لا همّ لكل طائفة منها إلاَّ التخلّص من الطائفة الأخرى، إلى الدرجة التي أصبحت الدعوة فيها إلى الإبادة الجماعية أمرًا غير مستنكر. بل إن العبث تجاوز هذه الحدود إلى مرحلة تحوّلت فيها دعوات الاستئصال والإبادة الجماعية، إلى مطلب جماهيري يتم تجنيد ملايين الناس لتحقيقه! لقد آن لكل عقلاء الأمة، أن يقاوموا أية محاولة لتمرير المصطلحات المحرضة على الكراهية والداعية للفرقة، وإلاّ فلنستعد لمعايشة ما هو أسوأ بكثير من واقعنا الغارق في الدموية والجنون والحقد. يتبع... anaszahid@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :