تحدثت في مقال يوم أمس عن الفردانية كقيمة مرتبطة ارتباطاً عضوياً بالحداثة. وقلت: إن المجتمع، أي مجتمع، لا يستطيع أن يصل إلى الحداثة بشكل يغطي جميع جوانب الحياة، بدون أن يقوم بتكريس الفردانية. الحداثة ليست نظرية فكرية تقوم على الاحتكام إلى المنهج العلمي في كل ما يخص شؤون الواقع وحسب. ربما يكون هذا هو الأساس، لكنه ليس كل شيء. الحداثة فلسفة تعاملت مع الإنسان باعتباره محورًا للكون، ولذلك فإنها أمدّته بأكبر ضمانة لحقوقه: الفردانية. الفردانية باختصار، تعني الدفاع عن حق الفرد في الحرية.. أو بمعنى آخر: تحرير الفرد من مصادر الوصاية. إنها -أي الفردانية- تنتصر للإرادة الحرة لأنها تضع ثقتها في الإنسان.. لذلك فهي تتعامل معه باعتباره مسؤولا وراشدا، ولا يحتاج إلى وصاية من أحد. وفي هذا فإن الفردانية تكاد تكون متطابقة مع الدين الذي يتعامل مع الفرد بوصفه مسؤولا عن خياراته، دون جبر أو إكراه: (وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا) مريم. (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) مريم. وفي الآيتين السابقتين، تأكيد على مسؤولية الفرد الكاملة عن أفعاله، مما يجعل من مبدأ البعث والحساب، أمراً عادلاً، فضلاً عن كونه منطقياً. نعود مرة أخرى إلى الفردانية التي تعني تحجيم دور المؤسسات السلطوية، في إدارة حياة الفرد، ابتداءً بالمؤسسة السياسية، مروراً بالمؤسسة الروحية، وانتهاءً بمؤسسة الأسرة ليس من حيث كونها دائرة للانتماء والمشاركة القائمة على الحب، بل من جهة أنها مصدر للتبعية. الفردانية لا تعني إلغاء دور مؤسسة الأسرة، طالما كانت هذه المؤسسة حريصة على صيانة استقلالية الفرد. الفردانية ضد مؤسسة الأسرة، وكل مؤسسات السلطة الأخرى، إذا ما حاولت أن تفرض على الفرد نوعا من التبعية التي تهدف إلى التحكم في خياراته. وفي هذا تأكيد على أن الفردانية ليست مرادفة للفوضوية، وأنها لا تهدف إلى إلغاء دور المؤسسات، بل إلى ترشيده، بحيث لا يتضخم هذا الدور حتى يصل إلى مرحلة سحق الكيان الفردي. لقد نجحت المجتمعات الغربية في تحييد مؤسسات السلطة السابق ذكرها إلى حد بعيد، لكن مؤسسة الإعلام هناك، ما تزال تعمل على غسل الأدمغة بغرض قولبة أفراد المجتمع، وبهدف تحويلهم إلى قطيع لا يجد السياسي في قيادته، صعوبة تذكر. ما زالت الإنسانية بعيدة عن تحقيق مبدأ الفردانية حتى الآن. anaszahid@hotmail.com للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (7) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain
مشاركة :