أزمة أخلاق أم أزمة هوية؟! | د. سلطان عبد العزيز العنقري

  • 11/25/2014
  • 00:00
  • 23
  • 0
  • 0
news-picture

في عالمنا اليوم نعيش أزمات متلاحقة، اختلط فيها الحابل بالنابل، ولا نعرف هل مرد ذلك يعود إلى أزمة أخلاق نعيشها أم أزمة هوية، أم الاثنتين معًا؟! إذا ادعينا أنها أزمة أخلاق فإننا بالفعل محقّين، وإذا ادعينا أنها أزمة هوية، فإننا أيضًا محقّين في ذلك، ولكن لنترك استنتاجنا لنهاية المقال. إذا قلنا أننا نعيش أزمة أخلاق؛ فإننا نقصد أننا نعيش في زمن طغت فيه الماديات على الأخلاق الفاضلة، وأصبح الإنسان يُقاس بما يملك من رصيد مادي وليس بما يملك من رصيد أخلاقي. فالملاحظ أننا نحترم من يملك المادة حتى ولو كان رصيده من الأخلاقيات الفاضلة صفر، ونقلل من شأن الآخرين ونبتعد عنهم بل نحتقرهم ولا نعطي اعتبارًا لمن يملك رصيد أخلاقي ولا يملك رصيد مادي؟! هذه تقودنا بالفعل إلى أن مصدر تلك الأزمة الأخلاقية هي أزمة هوية افتقدناها الآن، فجعلت بعضًا منّا لا يُفرِّق بين الأشخاص إلا بما يملكون من رصيد مادي فقط، ونسفوا الرصيد الأخلاقي برمّته خلف ظهورهم. أزمة الهوية التي نعيشها الآن هي ما عبّر عنها الفيلسوف والعالم "إريك فروم" عندما تحدث في منتصف القرن الماضي عن مصطلح فلسفي أسماه "الاغتراب". وهذا المصطلح قصد به هذا الفيلسوف أن بدخول "الآلة" أصبنا بأزمة هوية، حيث إنها أحدثت فجوة بين الإنسان ونفسه، وبين الإنسان وأسرته، وبين الإنسان وعمله. ما قاله ذلك العالم الفيلسوف في منتصف القرن الماضي الميلادي نعايشه الآن بحذافيره؟! دخلت الآلة، التي صنعت التقنية التي ننعم بها الآن لتُعمّق أزمة الهوية التي نعايشها الآن، وأصبحنا عبيدًا لهذه التقنية التي بالفعل نتنعّم بها، ولكن أفقدتنا هويتنا التي نشعر فيها، ومن خلالها نتلذذ ونشعر بالسعادة عندما نعمل الأشياء بأيدينا، ونقضي حوائجنا بأرجلنا وليس بوسائل نقل تُحرّكها الآلة. بالفعل أفتقدنا لتلك النعم. كنا ننتج في الماضي ونقول كسبنا قوتنا من عرق جبيننا، والآن نكسب قوتنا من هذه الآلة التي أصبحنا نعتمد عليها ليل نهار، بل أصبحت ليس فحسب تنام معنا في الفراش بل تقض مضجعنا بين الفينة والأخرى، توقظنا من النوم متى ما شاءت هي، وليس كما نشاء نحن. بل أدخلت البعض في إشكالية مع من يُحبّون أو من يتواصلون معهم، حتى أصبحوا يلغون متى آخر مرة شوهدوا فيها حتى لا يصبحون متابعين متى دخلوا لشبكات التواصل ومتى ما خرجوا من سجن هذه الآلة التي قلبت مجرى ونمط الحياة رأسًا على عقب؟! تلك الآلة قرّبت المُحبّين، ولكن في الوقت ذاته جعلتهم في صدام مع من يُحبّون بسبب غيابهم غير المبرر عن الأحباب؟! أزمة الهوية تلك التي أحدثتها تلك الآلة هي التي خلقت لدينا أزمة أخلاق، فأصبح البعض يكذب مع من يتواصلون معهم أو من يُحبّونهم أو يقومون بحجب تواصلهم معهم، وإلى الأبد، أو يتعرضون للكذب منهم والنصب والاحتيال والابتزاز بسبب تلك الآلة التي تحوّلت من نعمة إلى نقمة. ومن رفاهية في الحصول على المعلومة المفيدة والتواصل مع الآخرين إلى وسيلة للتهجم على الآخرين والدخول على حساباتهم في شبكات التواصل وعلى حساباتهم البنكية ليعبثوا بها ويقولون ما يشاءون، ويستولون على مدّخراتهم البنكية بدون وجه حق. يغشّون ويُزيفون ويُزورون، ويرشون ويرتشون. وتلك الأمور يتساوى فيها المتعلم والجاهل. أصبح البعض بسبب تلك الآلة، التي أشار إليها ذلك الفيلسوف، مصدر نشر شائعات وتتبّع عورات خلق الله، وتصيّد أخطائهم والتهكّم عليهم والسخرية منهم. تلك الآلة علّمت البعض كيف يبتعدون عن أسرهم وأقاربهم، على الرغم من أنهم يجلسون معهم في البيت نفسه، حيث قرّبت البعيد وأبعدت القريب؟! إنها بالفعل أزمة هوية في المقام الأول؛ قادتنا إلى أزمة أخلاق. فأزمة الهوية هي التي أوصلتنا لهذه الأزمة الأخلاقية التي نعايشها الآن، والتي اختلطت فيها المفاهيم. أصبحت تلك الآلة مصدر شك مع من يشاركونهم حياتهم، فأي رسالة على أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي أو مكالمة تصلهم على هواتفهم الذكية تدفع بالآخر -من باب حب الفضول والتطفل- إلى معرفة المتصل، وماذا يريد وما هدفه من التواصل؟! لكي تدخل أنت وشريكك في دوامة لا تنتهي قد تؤدي إلى التعامل بشكٍ مع من تعيش معه أو معهم، أو قد يؤدي إلى الطلاق والانفصال بسبب تلك الآلة. الآلة التي أفقدتنا الهوية تقودنا إلى أزمة أخلاق خطيرة جدًا تتمثل بالدخول على خصوصيات الشريك والقريب لكي نعرف من لديه من معارف وعلاقات شرعية وغير شرعية -لا سمح الله-. بيت القصيد أن الآلة أفسدت حياتنا، وجعلتنا نعيش مجهولي الهوية بعد أن سرقتها منّا، وجعلتنا نعاني بسببها أزمة أخلاقية. إذًا تلك الآلة أفقدتنا هويتنا التي أفقدتنا أخلاقنا. للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (29) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 - Stc 635031 - Mobily 737221 - Zain

مشاركة :