كنا في الآونة الأخيرة نطرح بعض الأسئلة المهمة حول بياناتنا الشخصية. هل هي ملك لنا؟ ما مدى قيمتها؟ هل ينبغي استعادة سيطرتنا عليها؟ لكن في حين كانت تلك المناقشات تركز على منصات وسائل التواصل الاجتماعي والخدمات المقدمة للمستهلكين، هناك نقاشات مماثلة تجري الآن في أوساط العاملين في اقتصاد الوظائف المرنة. ومن الجدير الإنصات لهذه المناقشات، على اعتبار أنها تسلط الضوء على السلطة والمخاطر الكامنة في استعادة البيانات الخاصة بنا.الشركات الواقعة في قلب اقتصاد الوظائف المرنة ترغب في التحدث حول الطابع غير المستقر والمتغير لهذا الاقتصاد. فالعاملون يتنقلون من مهمة إلى أخرى، مستخدمين المنصات مثل أوبر و"أَبْويرك" للعثور على عمل. ولا يعوقهم أي شيء قديم الطراز مثل عقود العمل. لكن باتخاذ نظرة أكثر تفحصا لآلية عمل المنصات المذكورة يتبين لنا أن اقتصاد الوظائف المرنة ليس سلسا كما يبدو.يعتمد كثير من منصات الوظائف المرنة على أنظمة التقييمات بهدف خلق الثقة بين الغرباء. بعد أن يكون العامل قد أكمل أداء مهمة معينة لشخص ما - أي مهمة، بدءا من خدمة توصيل بالسيارة إلى كتابة بعض الإعلانات الجيدة - يعطي صاحب العمل تقييما لمستوى العامل "وكثيرا ما يكون العكس". يستغرق الأمر وقتا لكي يكتسب العاملون التقييمات المذكورة. شركة أوبر تقرر إيقاف السائقين عن العمل معها في حال تراجعت تقييماتهم إلى مستوى منخفض دون الحد. بالنسبة لأنواع أخرى من عاملي الوظائف المرنة تساعد التقييمات الجيدة في حصولهم على مزيد من العمل أو القدرة على تحصيل أجر أعلى. "أمازون ميكانيكال تيرك"، وهي منصة لليد العاملة على الإنترنت، وضعت هذه العملية في إطار رسمي. فهي تمنح مرتبة "معلِّم" لبعض العاملين من ذوي التقييمات العالية الذين "يقدمون بشكل منتظم الكثير من الأعمال ذات الجودة العالية". المشكلة هي أن العاملين في الوظائف المرنة لا يستطيعون الحصول على تلك التقييمات وأخذها معهم إلى منصة مختلفة. الانتقال يعني أن تترك سمعتك وراء ظهرك وتبدأ من جديد.يعتقد عدد من الاتحادات المهنية والباحثين الأكاديميين ومجموعات الضغط لصالح الشركات أن هذه المشكلة تحتاج إلى حل. يقولون ينبغي تمليك العاملين سمعتهم الإلكترونية عبر الإنترنت حتى يتمكنوا من نقلها معهم إلى منصات أخرى.هذا من شأنه أن يمنحهم المزيد من السلطة لترك المكان إن لم يكونوا راضين عن العمل. مثلا، في حال زادت المنصة الرسوم التي تتقاضاها منهم. وهذا من شأنه أن يجعل المنصات تتنافس للحصول على عاملين من خلال معاملتهم معاملة حسنة. يكرس التنظيم العام لحماية البيانات في الاتحاد الأوروبي، الذي يدخل حيز التنفيذ الشهر المقبل، فكرة مماثلة عن "قابلية نقل البيانات" بالنسبة للمستهلكين.التقييمات القابلة للنقل بالنسبة لعمال الوظائف المرنة تعد فكرة جيدة. وأي شيء يشكل عائقا أمام إمكانية الانتقال يستحق التخلص منه. لكن ينبغي أن يتم تنفيذها مع قدر لا بأس به من التشكك حول الطريقة التي يجري بها إنتاج تلك التقييمات. لن تكون التقييمات القابلة للنقل كافية لتمكين العمال إن ظلوا بدون صلاحية لتحدي التقييمات التي يشعرون أنها غير منصفة بحقهم.يتمتع الموظفون التقليديون بآليات حماية ضد التمييز على أساس النوع أو العرق أو الجنس. إذا أعطاك مديرك تقييما سيئا أو كتب عنك شيئا سيئا لأحد المراجع، هناك عادة طرق للاعتراض. لكن عمال الوظائف المرنة يعملون بمفردهم. بالتالي هناك خطر - من خلال جعل التقييمات قابلة للنقل - إضفاء الشرعية على البيانات التي قد تكون مشوبة بتحيزات أصحاب العمل غير العادلة. لا يحتاج العمال فقط إلى الحصول على الحق في نقل بيانات سمعتهم إلى مكان آخر، بل هم بحاجة أيضا إلى الحق في الاستفهام عنها والاعتراض عليها.ينبغي للأشخاص الذين يوظفون عمالا من خلال منصات الوظائف المرنة التعامل مع التقييمات بحذر أيضا. ففي حين من المفهوم أن يخشى العمال الحصول على تقييمات منخفضة غير عادلة، إلا أن الحقيقة هي أن المشكلة المقابلة أكثر شيوعا بكثير. فقد كشفت بحوث جديدة حول بيانات التقييم في منصة عمل إلكترونية كبرى "لم يذكر اسمها" عن أن ممارسة "تضخيم السمعة" تحدث دون رادع أو رقيب. نسبة العمال الذين يحصلون على أعلى تقييم محتمل ومقداره خمس نجوم ارتفعت من 33 في المائة إلى 85 في المائة خلال ست سنوات.لم يحصل هذا لأن أداء العمال كان أفضل. من باب التجربة، طلبت المنصة من شركات التوظيف إعطاء تقييمات تحتفظ بها لنفسها عن العاملين وكذلك تقييمات بشكل عام معلن – وقد وُعِدت الشركات بأن المنصة لن تُطلِع العاملين أو أي شركة توظيف محتملة أخرى على التقييمات الخاصة. كان الفرق واضحا. ما يقارب 30 في المائة من شركات التوظيف التي قالت بشكل خاص إن من المؤكد أنها لن تستخدم العامل نفسه مرة أخرى أعطتهم أيضا تقييمات عامة بمرتبة أربعة نجوم أو أكثر من أصل خمسة. وكان متوسط نتائج التغذية الراجعة عن التقييمات الخاصة آخذا في التراجع في الوقت نفسه الذي كان فيه متوسط النتائج العامة للمهمات نفسها آخذا في التحسن.توصل الباحثون إلى أن أصحاب العمل يشعرون بأن هناك ثمنا مقابل تقديم تغذية راجعة سيئة بشكل علني - إما لخشيتهم من أن ذلك من شأنه أن يرتد عليهم على نحو ما، أو لأنهم بكل بساطة لا يريدون إيذاء العامل، وهذا نمط شائع عندما يطلب من البشر تقييم أناس آخرين. في الوقت الذي يتخلصون فيه بحبور من المنتجات أو الخدمات التي لا تعجبهم، إلا أنك حين تطلب منهم تقييم أناس آخرين، ستجدهم يجانبون الصواب من أجل التصرف بأريحية تجاههم.وهذا لا يعني أن تقييمات اقتصاد الوظائف المرنة عديمة الفائدة. فهي تبين أن الشخص أنجز قدرا معينا من العمل بالأصل، وأنه لم يتسبب في خلل. سيظل من الممكن أن يستفيد العمال من الحق في جعلها قابلة للتنقل.لكن ينبغي لنا ألا نضع ثقة في قيمة تلك البيانات أكثر مما تستحق. بشكل أوسع نطاقا، من المهم أن نتذكر أن البيانات التي ينشئها البشر نادرا ما تكون مطابقة تماما لما تبدو عليه. ابن آدم خطاء ولطيف ومتحيز ومتعاطف. وكذلك ستكون البيانات التي ينشئها.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: سارة أوكونور من لندنpublication date: الأحد, أبريل 22, 2018 - 03:00
مشاركة :