التعليم حقٌّ وليس امتيازاً! (1 من 2)

  • 4/24/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

على صفحة موقع «الحق في التعليم»- وهو المشروع الذي أطلقته مقررة الأمم المتحدة السيدة كاترينا توماشيفسكي- دُوِّنت عبارة التعليم حق وليس امتيازاً- كعنوان عريض على الصفحة الرئيسية للموقع، ولأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومنظمة اليونسكو خصوصاً قد تبنت كثيراً مثل هذه الشعارات بُغية ترسيخ المفاهيم الواسعة لحق التعليم وانطلاقا من مبادئ العدالة والمساواة في ظل رصد تمييز ضد فئات في بعض المجتمعات، ويرجع هذا التمييز لعوامل عدة، منها الأحوال المادية لهذه الفئات أو بسبب الطبقية الاجتماعية أو ضد الأقليات الدينية أو أولئك القاطنين في الأقاليم النائية خاصة في الدول ذات المساحات الجغرافية الكبيرة. لذلك فقد تبنت أغلب الدول تلك المفاهيم الواسعة لحق التعليم باعتبار التعليم كسائر الحقوق للإنسان ومنها ما ورد في الدستور الكويتي، حيث نصت المادة 13 فيه على أن «التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع تكفله الدولة وترعاه». ونصت المادة 14 على أن «ترعى الدولة العلوم والآداب والفنون وتشجع البحث العلمي». ونصت المادة 40 على أن «التعليم حق للكويتيين تكفله الدولة وفقاً للقانون وفي حدود النظام العام والآداب والتعليم إلزامي مجاني في مراحله الأولى وفقا للقانون ويضع القانون الخطة اللازمة للقضاء على الأمية وتهتم الدولة خاصة بنمو الشباب البدني والخلقي والعقلي». كما ورد في المذكرة التفسيرية للدستور في ما يتعلق بالمادة سالفة الذكر أن «التعليم بمقتضى هذه المادة حق للكويتيين تكفله الدولة وفقا للقانون في حدود النظام العام والآداب، وهو كسائر الحقوق والحريات العامة محدود طبيعياً بإمكانيات الدولة ومدى طاقاتها، كما أن النص على التزام هذا الحق حدود النظام العام والآداب انما هو تحصيل حاصل لا يخلو من النفع والتذكرة»؛ ذلك أن الحقوق والحريات إنما تقوم داخل تلك الحدود. وبالتالي فإن المشرع الكويتي لم يخرج عن الإطار الواسع لحق التعليم باعتباره كسائر الحقوق الأخرى التي لا يمكن أن تمارس دون الارتكاز على مبادئ العدالة والمساواة، ودون تحصين الحريات من الافتئات عليها، فلقد نصت المادة 29 من الدستور الكويتي على أن: «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين». ومن المسلمات أن هذه الفروقات التي حظرت الدساتير التمييز بين الناس على أساسها، إنما وردت لأنها تاريخياً الأكثر انتشاراً كسبب للتمييز، وبلا شك أن ما دون ذلك من فروقات محظورة وفقاً لهذا النص، ومع اتساع نطاق مفهوم التعليم الذي تبناه وأقره المشرع الكويتي سواء في الدستور، والذي جاء منسجماً مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان باعتبار التعليم حق من حقوق الانسان وما جاء بتوصيات منظمة اليونسكو التي عرفت التعليم في المادة 1 (أ) من التوصية سنة 1974 أنه «مجموع عملية الحياة الاجتماعية التي عن طريقها يتعلم الأفراد والجماعات داخل مجتمعاتهم الوطنية والدولية، ولصالحها أن ينمو بوعي منهم كافة قدراتهم الشخصية واتجاهاتهم العملية ولا تقتصر على أي أنشطة بعينها».فرغم ذلك، فإننا نجد أن هنالك قوانين وقرارات تصدر بأفق يضيق بها استيعاب هذه المفاهيم التي أرسيت في مجال التعليم بسبب عوامل عدة، منها ما يرجع للترهل الإداري وعدم قدرة إدارات الدولة على استيعاب أصحاب المؤهلات والبطالة المقنعة ورعوية الدولة والتزامها باحتضان الخريجين في إداراتها الوظيفية وتوفير الضمانات، وذلك كله مع تراجع ملحوظ لدور القطاع الخاص في هذا المجال. وأيضاً هنالك عوامل اجتماعية أخرى خاصة مع انتشار ثقافة اقتناص الامتيازات المالية التي أصبحت أولوية مرتبطة بالتحصيل العلمي على حساب أهمية التعليم الحقيقية في دعم الركب التقدمي للمجتمع. ويلاحظ أن إدارات الدولة لم تستطع في وسط كل تلك المشاكل إلا أن تكرِّس هي الأخرى هذه المفاهيم حتى طغى مفهوم الامتياز المالي على الاعتبارات القيمية الأسمى للمحصلة العلمية والمعرفية مما جعل بعض قراراتها معرضاً للإبطال بسبب اصطدامها مع نصوص الدستور. آخرها القرار الصادر من وزير التعليم العالي رقم 20 لسنة 2015، ففي حكم محكمة الاستئناف الإدارية، والذي تم تأييده لاحقاً من محكمة التمييز بالحكم رقم 11/‏‏69/‏‏2016، حيث ألغي القرار السابق والصادر من وزير التعليم العالي فيما تضمنه من إيقاف تسجيل والتحاق الطلبة الكويتيين في برنامج الماجستير في الجامعات المصرية في تخصص القانون، والذي صدر بناء على توصية أساسها تكدُّس سوق العمل من خريجي الحقوق والقانون، وقد اعتبرت المحكمة هذا القرار متعارضاً مع نصوص الدستور رقم 13 و14 و40 التي تم استعراضها في البداية، واعتبرت أيضا أن هذا القرار يُلقي مزيداً من الأغلال والقيود على الحريات الشخصية في اختيار نوع التعليم وجودته، بل علقت على واحد من دفوع الحكومة التي ساقت بأن هنالك ضرورة للربط بين التعليم الجامعي ومتطلبات المجتمع استناداً على المادة الأولى من مرسوم رقم 16 لسنة 1981، وقد جاء في حيثيات الحكم رداً على هذا الدفع «بأن التعليم ليس سلعة تُعرض وإنما هو عماد المجتمع وقوامه تلتزم الدولة برعايته والحفاظ عليه».كما ألغت المحكمة الإدارية أخيرا قرار التعليم العالي الصادر بمنع من مضى على تخرجه من مرحلة الثانوية سنتين من استكمال دراسته الجامعية، وقد اعتبرت المحكمة الإدارية هذا القرار أيضاً قد وقع في حمأة المخالفة الدستورية، وجاء في حيثيات الحكم أن حق التعليم مكفول للكويتيين يمارسون هذا الحق متى شاؤوا، ولنا أن نتصور مبلغ التناقض في هذا القرار مع القوانين والقرارات الأخرى خاصة تلك المنظمة لعملية دراسة الموظفين في الدولة والعاملين بالقطاع الخاص حيث يشترط على الفئتين بلوغ سنوات معينة في الخدمة أو الخبرة قبل السماح لهم باستكمال دراستهم أقلها مدة 3 سنوات؛ مما يعني حرمان كل موظف وعامل كويتي من حقه في التعليم. وبجانب هذه القرارات الصادرة من وزارة التعليم العالي، والتي لم تُراعَ فيها مبادئ العدالة والمساواة وصيانة الحريات، ولم تُبنَ على أساس رؤية وتصور قائمين على أهمية التعليم في تقدم المجتمع، كُركن أساسي يجب رعايته واعتباره حقا أصيلاً كسائر الحقوق، نجد أيضاً أن هنالك قرارات أخرى مرتبطة بالتعليم وتحوم حولها إشكاليات دستورية لتفرض من واقعها تساؤلات عن مدى توافقها مع المفاهيم الواسعة لحق التعليم التي أقرَّتها الكويت كتلك الاتفاقيات التي قررتها منظمة اليونسكو والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فالقانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية وتشجيعها للعمل في الجهات غير الحكومية والقرارات الوزارية المنظمة لهذا القانون، نجد منها ما يفرغ التعليم من قيمته الحقيقية، ويُخرجه عن مساره ونطاقه الثمين ليضعه في طابور التزاحم على اقتناص الامتيازات المالية!فالقرار الصادر رقم 391 لسنة 2001 بشأن منح العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد لأصحاب المهن والحرف والعاملين في الجهات غير الحكومية، والذي جاء في مواده على أن يشترط لمن يرغب بالدراسة والحصول على العلاوات والمكافآت التشجيعية من برنامج الهيكلة أن يكون بالغاً من العمر 25 عاماً أو أن يكون متزوجاً وله ولد، وقد عُدِّل هذا القرار بالقرار رقم 1، 759 لسنة 2004 واشترط القرار أن يكون بالغاً لسن 21 عاماً، أو أن يكون متزوجاً، وأخيراً فقد عُدِّل هذا القرار أيضاً بالقرار رقم 572 لسنة 2009 ليشترط على العامل المسجل ببرنامج الهيكلة والراغب بالالتحاق بإحدى المراحل الدراسية أن يبلغ 25 عاماً مع بلوغ خبرته في القطاع الخاص لمدة 3 سنوات، ويلاحظ أن القرار الأول اشترط بلوغ سن الخامسة والعشرين أو أن يكون متزوجاً وله ولد، فما علاقة التعليم سواء بالعمر أو بالحالة الاجتماعية ؟فهذه القرارات كانت قائمة على فلسفة تعديل الفرد لوضعه المالي وأعطت المتزوج بحكم أنه معيل ميزة وأفضلية في التحصيل العلمي مما جعل من الوضع المادي أولوية في تصور الفرد ومفهومه لحق التعليم، فالأولى هي احدى نتائج الثانية ولكن ليست هي الغاية المنشودة للعلم. ويتضح من خلال هذا القرار التمييز بين المواطنين تأسيساً على الحالة الاجتماعية، رغم أن الدستور الكويتي والاتفاقيات التي أقرَّتها الكويت والخاصة بالتعليم لم تتبن- لا من قريب أو من بعيد ـ مثل هذه المفاهيم المادية البحتة، ناهيك عن التعارض الصريح لهذا القرار مع نصوص الدستور خاصة المادة 7 منه، والتي نصَّت على أن «العدل والحرية والمساواة كدعامات رئيسية للمجتمع»، ونص المادة 13 «التعليم ركن أساسي لتقدم المجتمع». وبالتالي فإن مثل هذه القرارات لها أثرٌ سلبي بأن كرّست المفاهيم المادية بسبب تمييزها بين العائل والمتزوج والأعزب كسبب رئيسي للتحصيل العلمي وإجازة الجمع بين الدراسة والعمل في القطاع الخاص. كما يلاحظ أن القرار الثاني رقم 1/‏‏759 خفض شرط العمر من 25 سنة إلى 21 سنة مع إبقاء على الشرط الثاني الخاص بالحالة الاجتماعية. وأخيراً نجد أن القرار رقم 572 لسنة 2009 المعمول به حالياً قد تدارك هذا الخطأ الفادح بربط التحصيل العلمي بالحالة الاجتماعية، لذلك قد صدر هذا القرار واقتصر على شرط بلوغ العامل الوطني لسن 25 عاماً، وأن تكون خبرته قد بلغت 3 سنوات في القطاع الخاص، وقد يكون السبب الرئيسي في ابتكار قيد العمر والحالة الاجتماعية هو استغلال كثير من المواطنين للمميزات المالية أثناء دراستهم والتي تفوق تلك التي يتقاضونها كالإعانات الخاصة بالطلاب أو من وزارة الشؤون بالنسبة للمتزوجين، مما خلق حالة شائعة من التوظيف الوهمي ولكن بكل تأكيد ذلك لا يسوغ هذه المعالجة التي انتهجتها الدولة عن طريق قرارات نالت من الحريات وقيدت التحصيل العلمي وتخلفت عن مواكبة تطلعات ومتطلبات الشباب وتقدم المجتمع.* كاتب ومحامٍ كويتي

مشاركة :