... قبل البحث عن مدى دستورية القرارات التي تحدثنا عنها في المقال السابق، وعن مدى مواكبتها للاتفاقيات الدولية التي أقرتها الكويت، وجب علينا طرح أسئلة موضوعية مهمة من خلالها نستطيع الارتكاز على الأساس المبني لتصور طبيعة هذه القرارات، فأولا وللإيضاح الموجز فالقرار رقم 391 لسنة 2001، قد نص في مادته الثالثة على أن تؤدي الحكومة للمواطنين أصحاب المهن والحرف ومن يعملون في جميع الجهات غير الحكومية علاوة اجتماعية وعلاوة أولاد وكان هذا القرار الصادر من مجلس الوزراء بناء على اقتراح مجلس الخدمة المدنية المختص وفق القانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن إنشاء مجلس الخدمة المدنية وقانون رقم 62 /1999 في شأن دعم العمالة الوطنية وتشجيعها للعمل في القطاعات غير الحكومية، وكان القرار الأخير المنظم لذلك هو 572 لسنة 2009، والذي اشترط لحصول العامل الوطني على العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد، ألا يكون مقيداً بإحدى مراحل التعليم أو مسجلاً في الدورات التدريبية التي تنظمها الهيئة العامة للتعليم التطبيقي، ويُستثنى من ذلك من بلغ سن 25 عاماً وبلغت خبرته 3 سنوات، ثم صدرت القرارات الوزارية بشأن المزايا المالية وأحالت شروط استحقاقها الى المادة سالفة الذكر وهي على النحو الآتي: 1- القرار رقم 27 لسنة 2008 بشأن صرف الدعم المالي الشهري بمبلغ خمسين ديناراً لمن لم يبلغ راتبه الألف دينار.2- القرار رقم 230/ أولا لسنة 2008 بشأن صرف مبلغ 120 دينارا للمواطنين العاملين في القطاع الحكومي والقطاع الخاص.3- القرار رقم 405 / لسنة 2012 والذي قرر صرف 25/100 من العلاوة الاجتماعية كزيادة مالية.4- القرار رقم 548/ لسنة 2012 الذي قرر مزايا مالية حسب الجدول المرفق مع القرار.وبذلك فالأصل عدم استحقاق العامل الوطني لكلِّ هذه المزايا المالية في حال إن كان ملتحقاً بإحدى مراحل التعليم والاستثناء من بلغ سن 25 عاماً، وبلغت خبرته في القطاع الخاص مدة 3 سنوات، وبهذا فإننا نضع بعض الفرضيات تحت مجهر الدستور حتى نستطيع رسم إطارٍ واسعٍ يضمُّ أكثر الجوانب المهمة و المتعلقة بشرعية النص بحيث نصل للصورة المتكاملة حتى نقف على مدى مراعاة النص لحق التعليم، والتي نوجزها فيما يلي:أولا: مفهوم مبدأ المساواة ومجال اعماله:يقصد بمبدأ المساواة خضوع كافة المراكز القانونية المتماثلة لمعاملة قانونية واحدة دون تمييز فيتحقق مجال اعمال هذا المبدأ على المراكز القانونية المتماثلة.كما لا يخل التمييز بين المراكز القانونية المختلفة بمبدأ المساواة بشرط أن يكون هذا التمييز المنظم للحق مبنيا على أساس منطقي ويرتبط موضوعه بالغاية المراد تحقيقها من دون أن يهدر جوهر الحق أو يعطله سواء عن طريق انتقاصه أو تقييده أو بعدم التمكين من ممارسته و لو جزئيا، فالتمييز المنهي عنه والذي يخل بمبدأ المساواة بين المراكز القانونية المختلفة هو ذلك التمييز التحكمي الذي لا يرتبط موضوعه بالغاية المتوخاة منه.فصور التمييز التي تناقض مبدأ المساواة أمام القانون قوامها كل تفرقة او تقييد أو تفضيل أو استبعاد ينال بصورة تحكمية من الحقوق والحريات التي كفلها الدستور أو القانون .ثانيا: التمييز المبرر دستوريا هو ذلك التنظيم التشريعي الذي ينطوي على تقسيم أو تصنيف أو تمييز من خلال الأعباء التي يلقيها على البعض أو المزايا أو الحقوق التي يمنحها لفئة دون غيرها، الا أن اتفاق هذا التنظيم مع أحكام الدستور يفترض ألا تنفصل النصوص القانونية التي نظم بها المشرع موضوعا محددا عن أهدافها ليكون اتصال الأغراض التي توخاها بالوسائل اليها منطقيا وليس واهيا أو واهنا بما يخل بالأسس الموضوعية التي يقوم عليها التمييز المبرر دستوريا.فمبدأ المساواة هو عماد العدل والحرية والسلام الاجتماعي ويستهدف غاية تتمثل في صون حقوق المواطنين وحرياتهم في مواجهة صور التمييز التي تنال أو تقيد ممارستها.ثالثا: هل هنالك تماثل في- المراكز القانونية- بالنسبة للموظفين في القطاع الحكومي والعاملين في القطاع الخاص على إثره أخلَّ مجلس الخدمة المدنية - بمبدأ المساواة - بين الفئتين ؟في بيان تماثل المراكز القانونية قد جاء في أحكام المحكمة الدستورية في جمهورية مصر العربية أن تماثل المراكز القانونية هو اتحاد العناصر التي تقوم عليها المراكز وتماثل مكونات وحدتها وبقدر ما بين المراكز القانونية من تغاير تفقد هذه المراكز تعادلها فلا تجمعها تلك الوحدة التي تقتضي تساويها في الآثار التي ترتبها، وبالتالي كان من الجائز أن تغاير السلطة التشريعية، ووفقاً لمقاييس منطقية بين المراكز لا تتحد معطياتها أو تتباين فيما بينها في الأسس التي تقوم عليها باعتبار أن النصوص القانونية وسائل ينتقيها المشرع لينظم بها موضوعاً محدداً وبقدر اتصال هذه النصوص بأهدافها وارتباطها عقلاً بها بقدر ما يكون التمييز المقرر بها موافقاً للدستور، فاذا كان التمييز المقارن لها متضمناً دون مسوّغ تفريقاً أو تقييداً أو استبعاداً مبنياً على تحكم فان هذا التمييز يكون تشهيا مناقضاً لنص المادة 40 من الدستور (المصري).فمبدأ المساواة يتحقق وجوب إعماله على المراكز القانونية المماثلة وهذه المراكز المماثلة تتحدد من الشروط الموضوعية التي يتساوى من خلالها الأفراد أمام القانون، بحيث إذا توافرت هذه الشروط في طائفة من الأفراد وجب اعمال المساواة بينهم لتماثل مراكزهم القانونية، وإن اختلفت هذه المراكز بأن توافرت في البعض دون البعض الآخر انتفى مناط التسوية بينهم.وبالتالي، ولأن المعطيات والبنيان القانوني المرتب للأثر فيما يتعلق بالوظيفة العامة يختلف كثيراً عن ذلك الأساس القانوني للعمل في القطاع الخاص، فلا لوم على مجلس الخدمة إذا ما راعى هذا التغاير في المراكز القانونية، بأن فرّق بين الفئتين وميز بتنظيمه جواز الالتحاق بأحد مراحل التعليم مع استحقاق العلاوة الاجتماعية وعلاوة الأولاد، وهذا دون أن نفحص هنا الأسس الموضوعية وحدود تنظيم حق التعليم، لأنه متى ما باشرنا التحقق من هذه الأسس وفحصها، والأساس الذي تم التمييز عليه بين الطائفتين الموظف العام والعامل الوطني، سنجد أن النص خرج عن حدوده التنظيمية على غير مبررٍ مما ترتب عليه إخلالاً بمبدأ المساواة بين المواطنين في ممارسة حقهم بالتعليم المقرر وفق الدستور الكويتي، وذلك يتضح جلياً، فالمعني هنا في تنظيم التحاق العامل الوطني بأحد مراحل التعليم أو الإجازة الدراسية بالنسبة للموظف العام هو مجلس الخدمة المدنية وفق قانون رقم 15 لسنة 1979 وقانون رقم 62/1999، فإذا ما رأينا الشروط الموضوعية التي من خلالها نظَّم مجلس الخدمة المدنية الإيفاد للبعثات والإجازات الدراسية بالنسبة للموظف العام، فإننا لا نجد بدعة قيد العمر أو الحالة الاجتماعية لمن أراد الالتحاق بالدراسة فإضافة قيد العمر كان من شأنه الإخلال بمبدأ المساواة في مباشرة حق التعليم بالنسبة للعامل الوطني لأن التمييز بين الأفراد على أساس العمر في التحصيل الدراسي هو تمييزُ تحكمي خاضع للاشتهاء، فضلاً على أنه غير موضوعي وغير مبني على أساس منطقي وعقلي. رابعاً: هل هنالك إخلال بمبدأ -تكافؤ الفرص؟يقوم هذا المبدأ على شرطين أساسيين؛ وهما أن تكون هذه الفرصة تكفلها الدولة وترعاها مثل الوظائف العامة، وأن يكون هنالك تزاحمُ على هذه الفرصة يستوجب تنظيم الدولة وإتاحتها بشكل متكافئ أمام جميع المواطنين، وحيث إننا في صدد استعراض دستورية حق التعليم بشكل عام، وليس الذي تكفله الدولة، وبالتالي لا يُتصور وجود إخلالٍ بهذا المبدأ، خاصة أن النص الذي نحن في صدد معاجلة جوانبه لم يحظر الدراسة على العاملين في القطاع الخاص بالشكل المباشر، كما أنه لم يمنعهم من حرية اختيار نوع العمل إذا ما تحدثنا عن حق العمل، بل من الممكن أن ما بحثنا عن مشروعية النص وتعاطيه مع هذه الحقوق في سياق آخر نجد أننا أمام إعاقة ممارسة الحقوق وانتقاصها، وهذا قد يشوبه شبهة دستورية في تعطيل الحقوق، ولكن في الإطار الموضوعي البحت إن ما بُحثت الأسباب والأسس المبنية عليها هذه القرارات.خامسا: معضلة النص في الواقع العملي:تكمن أهمية فحص النص والوقوف على مدى مشروعيته دستوريا في أنه قد وقع في سياق تنظيم زحام الحقوق، فالنص قد ربط استحقاق العلاوتين الاجتماعية والأولاد وهو (حق مقرر قانونا) بتعطيل حق مقرر وفق الدستور وهو (الحق في التعليم) فكيف يستقيم حرمان العامل الوطني من تلك العلاوات كحقوق مقررة قانونا في حال ممارسته لحق أصيل وهو الحق في التعليم المقرر في الدستور باعتباره كسائر الحقوق الأصيلة ؟الا في الاطار التنظيمي الذي تم بيانه و بمراعاة هذا التنظيم لمبادئ العدالة والمساواة و صيانة الحريات وصولا الى الصالح العام .كما لا يتصور في ظل القوانين المنظمة لعمل العامل الوطني في الجهات غير الحكومية ومع إلزام المشرع للجهات غير الحكومية بتشغيل العمال الوطنيين بالنسب المقررة وفق القانون أن يكون هنالك عمال وطنيون يعملون في هذه الجهات دون تسجيلهم في برنامج الهيكلة وبالتالي فان المواطن يجد نفسه مجبورا بشكل أو بآخر أن يختار بين العمل والتعليم واستحقاقه للعلاوات!سادساً: كيف أخل النص بحق التعليم؟إن أي تنظيم للحقوق من قبل المشرع يجب أن يراعى فيه مبدأ المساواة ومبدأ تكافؤ الفرص كما نص الدستور، وأيضا يستوجب التنظيم عدم اهدار جوهر الحق المراد تنظيمه، فتعطيل الحقوق قد يأتي بصورة مباشرة أو بطريقة غير مباشرة وبغطاء سلطة المشرع في التنظيم ، فعدم تمكين العامل الوطني واعاقته عن ممارسة حقه في التعليم وانتقاص هذا الحق يعتبر اهدارا لجوهره، فالنص الوارد في القرار رقم 572 لسنة 2009 قد وضع حاجزا بين ممارسة حقين أساسين بالنسبة للمواطنين وهما حق التعليم وحق العمل فضلا على وجود فجوة وفراغ غير مفهوم بين النص كشرط موضوعي وبين الغاية من التشريع الخاص بتشجيع المواطنين على العمل بالقطاعات غير الحكومية وأيضا عدم انسجام هذا النص موضوعيا مع القرار الذي ينص على صرف العلاوتين الاجتماعية والأولاد للعاملين في الجهات غير الحكومية مما يثار معه التساؤل عن مدى مشروعية هذا النص دستوريا؟ وذلك من خلال محورين يمكن من خلالهما الكشف عن موضع الخلل التشريعي بالنسبة للنص المذكور وهما:-أولاً: لعدم مراعاته لمبدأ المساواة بين المواطنين العاملين في القطاع الخاص والموظفين العموميين في ممارسة حقوقهم الدستورية، وذلك عن طريق التنظيم غير الموضوعي والتحكمي بين طائفتين تختلف مراكزهم القانونية. وثانياً: من خلال انتقاص وتعطيل حق التعليم وعدم تمكين العامل الوطني جزئياً من التمتع به باعتباره كسائر الحقوق مما يعتبر إخلالاً بهذا الحق وإهداراً لجوهره، فقيد العمر الوارد في النص لا ينسجم مع موضوع حق التعليم وجوهره الذي تحدَّد من خلال المفاهيم التي صاغها المشرع في الدستور كعناوين عريضة، ومسار لا يمكن الخروج عنه بحجة سلطة المشرع في التنظيم؛ بما يستوجب معه إلغاء هذا القرار لوقوعه في حمأة المخالفة الدستورية انتصاراً للحقوق الأصيلة؛ فالتعليم حق وليس امتيازاً أو سلعة تُعرض كما ورد في أحد أحكام المحكمة الإدارية.* المرجع بالنسبة للمبادئ العامة والمراكز القانونية هو مجموعة أحكام قررتها المحكمة الدستورية العليا في جمهورية مصر العربية* كاتب ومحام كويتي
مشاركة :