انتعاش منطقة اليورو مجرد وهم

  • 9/11/2013
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

نتحدث منذ بضعة أسابيع عن بداية انتعاش منطقة اليورو. المؤشرات الأساسية عن تحسن في البلدان الواقعة في مركز الاتحاد النقدي ستكون البرهان على أن التقشف قد عاد بثماره. وعادت صناديق الاستثمار الأميركية ببطء إلى تمويل ديون المصارف الأوروبية. بل إن (مصرف) «غولدمان ساكس» اشترى بكميات كبيرة أوراقاً نقدية أوروبية. لكن هل هذا هو حقاً الانتعاش؟ يذكر المشككون أن الأوروبيين ينتظرون الانتعاش منذ الفصل الرابع من 2010 وأن كل التوقعات التي أعلنها صندوق النقد الدولي تقول إن الانتعاش سيحل «في نهاية السنة». في الواقع، ووفق ذات توقعات صندوق النقد، ستعرض اقتصادا إيطاليا وإسبانيا في 2013 إلى انكماش يصل إلى اثنين في المئة، وسيزيد في البرتغال على الاثنين في المئة وفي اليونان سيتجاوز الأربعة في المئة. يضاف إلى ذلك أن نسبة البطالة بلغت قمماً جديدة في منطقة اليورو إذ وصلت إلى 12 في المئة من السكان العاملين؛ ونصف الشباب بلا عمل في بلدان الأطراف، ما سيفضي على المدى الطويل إلى تسرب المواهب وتفكك القاعدة النقدية. الأهم من ذلك أن الدين العام ارتفع في 2012 سبع نقاط مئوية بالنسبة إلى الناتج المحلي الخام في إيطاليا و11 نقطة في إرلندا و15 نقطة في البرتغال وإسبانيا. وإذا كان تثبيت وتقليص الدين هما علامتا الانتعاش بفضل التقشف، فإن المشككين على حق في موقفهم من الانتعاش. في السياق هذا، تشبه عودة المستثمرين الأميركيين الذين يحملون دولاراتهم لتمويل قصير المدى لديون المصارف الأوروبية، تشبه مطاردة يائسة للعوائد، التي ترتكز قبل كل شيء على وعد رئيس المصرف المركزي الأوروبي ماريو دراغي، بالقيام «بكل ما يجب القيام به» لإنقاذ اليورو. أما في ما يتعلق بلعبة «غولدمان ساكس» مع البورصة، فإن الكلمات التي صاغها مُلهم الأسواق المعتمدة إلى الالتزامات المصرفية، بيل بلين -»اشتر بكثرة، بع أغلى قليلاً عند الارتفاع، ثم اترك كل شيء واهرب» – تأتي معبرة تماماً عن هذه الروح... باختصار، ما زال مبكراً الحديث عن الانتعاش فيما لم يتم بعد محو الأضرار التي تسبب التقشف بها. وكل البلدان التي طبقت التقشف من دون أن تلزم الدائنين الخاصين بدفع الخسائر، عمقت عملياً من ديونها. وبحسب التقديرات الرسمية، فإن الدين العام الإسباني الذي كان يشكل 36 في المئة من إجمالي الناتج الداخلي الخام في البلاد عند بداية الأزمة تضاعف ثلاث مرات تقريباً ويمكن أن يكون الرقم الحقيقي أكثر ارتفاعاً. والبلدان التي اقتطعت النسبة الأكبر من إنفاقها هي تلك التي عرفت الارتفاع الأكبر في المردود المرتبط على الاعتمادات المصرفية والتي ارتفع دينها، بالتالي، أكثر من غيرها. التفسير بسيط. فعندما يتخلى بلد عن سيادته النقدية، يصبح الأمر وكأن المصارف تقرض بعملة أجنبية. بذلك تصبح مُعرّضة لصدمات السيولة على غرار تلك التي أفضت إلى أزمة النظام المصرفي الأوروبي في 2010-2011. وفي ظل العجز عن طباعة العملة لإنقاذ المصارف أو تقليص قيمتها لتحفيز الصادرات، تجد الدولة أنها أمام خيارين: العجز عن الدفع أو تقليص الإنفاق (أي التقشف). منـــطق السياسة هذه، القائم على تقليص عبء الدين واستعادة الثقــــة، يعـــني أن الاقتطاعات في الموازنة تأتي لمصلحة الاستـقرار والنمو. لكن في الوقت الذي تطبق عدة بلدان التغييرات الاقتصادية في آن واحد، يهبط الطلب ما يسفر عن انكماش في الاقتصادات وارتفاع في معدل «الدين بالنسبة إلى الناتج الداخلي الخام». بيد أن المشكلة التي فرضها التقشف على منطقة اليورو أساسية أكثر من ذلك: يحاول المسؤولون السياسيون حل مشكلة الديون السيادية، في حين أنهم يواجهون قبل كل شيء المشكلة المصرفية. والنظام المصرفي الأوروبي الأكبر من النظام الأميركي لكن الذي يحمل ديوناً تزيد ثلاث مرات على الأميركي، وبوجود المصرف المركزي الأوروبي الذي لا يملك فعلاً سلطة المقرض الأخير، فإن الجفاف المفاجئ في تدفق رؤوس الأموال نحو البلدان الطرفية في 2009، قد تسبب في أزمة سيولة أكبر من أن يمكن استيعابها. لقد أدت العاصفة التي هبت على الأسواق المالية إلى إصابة المسؤولين في منطقة اليورو بالذعر ما أفضى إلى تشخيص سيء وإلى وصف علاجات سيئة. وتُرجم الوعد الذي قطعة دارغي إلى برنامج لإعادة شراء الديون وهي عملية لإعادة تمويل طويلة المدى وتوفير السيولة في الأحوال الطارئة ما أتاح كسب الوقت من خلال تخفيض العوائد. لكن الأزمة المصرفية ما زالت هنا. وعلى المسؤولين في منطقة اليورو الاعتراف بأن الاقتطاع من النفقات لا يسمح بتثبيت ميزان المصارف التي يقع عليها عبء الديون السيادية للبلدان الطرفية. وما دامت أوروبا لم تتخل عن التقشف لمصلحة سياسة موجهة نحو النمو، فكل علامة عن الانتعاش ليست سوى وهم.   * أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في جامعة براون –رود آيلند، عن «لو موند» الفرنسية، 24/8/2013، إعداد حسام عيتاني

مشاركة :