تذكر الأضواء المسلطة على الزعيم السياسي الشيعي مقتدى الصدر هذه الأيام و بعد فوز كتلته البرلمانية في الانتخابات العراقية الأخيرة بتلك التي ساهمت في سطوع نجمه عراقيا و اقليميا في 2003 حين ظهر فجأة قائدا لفصيل مسلح و محاربا للتواجد الأمريكي في العراق، لكن الفرق بين الحالتين هو الوضعية السياسية و التأثير الاجتماعي و السياسي لهذه الشخصية غير واضحة القراءة، حيث يعتبر اليوم سياسيا فازت كتلته البرلمانية بالانتخابات و يحمل توجها سياسيا مثيرا للاهتمام في الساحة العراقية في حين أنه لم يعرف يومها غير كونه زعيما لفصيل مسلح غير نظامي له تأثيره الديني على أتباعه في الأوساط الشيعية العراقية، بات من الواضح أن أطرافا متعددة أصبحت، و منذ فترة، تراهن على دور محوري للقوى الشيعية العراقية و التي تنسب، حسب ادعائها، الى النهج المعتدل و الوطني بما يسحب ثقلها السياسي و الشعبي من الصف الايراني داخل المنظومة العراقية، و قد نجح مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري و الذي ينضوي تحت قيادته ميليشيات جيش المهدي في إظهار نفسه مظهر الزعيم الوطني المهتم بمصالح العراقيين و الرافض للتدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للعراق حتى من قبل ايران ما جعله على رأس تلك الأطراف و محل اهتمام لقوى عالمية و اقليمية، لا شك أن للصدر و لميليشياته ماض غير نظيف مع عمليات القتل و التهجير للمناطق السنية في العراق، كما أنه مثّل أول صعوده تهديدا للولايات المتحدة حيث قاد معارك شرسة ضد التواجد الأمريكي فيه، لكن اختلافه مع الأطراف التي مثلت الأذرع السياسية الايرانية الأكثر ولاءا أخذ في النمو خاصة منذ أن قاد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي و أكثر الوجوه العراقية ولاءًا و خدمة للمشروع الايراني حربا ضروسا ضد ميليشات جيش المهدي التي يقودها الصدر في 2008 فيما يعرف بعمليات “صولة الفرسان” ، ليصل الاختلاف مؤخرا مرحلة سعى من خلالها الصدر الى تشكيل ائتلاف حكومي من القوى السياسية الشيعية و السنية و الكردية مستثنيا تلك المدعومة و الممثلة للنفوذ الايراني في العراق و على رأسها أساسا حزب الدعوة و زعيمه نوري المالكي و هادي العامري زعيم منظمة بدر و القيادي بالحشد الشعبي، و هو ما رفع قيمة الرهان عليه كعنصر من عناصر ادارة العملية السياسية في العراق و واجهة سياسية لتقليص الدور الايراني في الواقع السياسي العراقي، رغم انتمائه العقائدي الشيعي بل الاثني العشري بالخصوص و اختياره طوعا لايران منفى فيما سبق، لكنه و في الجهة المقابلة، يتبلور وعي اقليمي لدى المملكة العربية السعودية و حلفائها من دول الخليج كونهم اللاعب الاقليمي المنافس للاستحواذ الايراني على العراق بغياب فصيل او صف عربي سني في العراق يعول عليه في موازنة العملية السياسية مقابل الأطراف الشيعية أساسا و الكردية الأخرى، و أنه و منذ الاهتمام العربي المتنامي بالساحة العراقية لم تنجح في إيجاد منافس موثوق أولا و ذي ثقل سياسي و شعبي ثانيا و ثالثا بوصفه قادرا على توحيد صفوف الأطراف العربية السنية في العراق بما فيها المدن و المحافظات ذات الأغلبية السنة و شيوخ القبائل العربية خاصة عقب الدمار و التهجير الذي لحقها و الاتهامات بالإرهاب و بإيواء عناصر تنظيم داعش الارهابي بغض النظر عن ثبوتها من عدمه، و هو ما جعل التعويل على طرف من هذا القبيل ليكون رأس الحربة في صد المشروع الايراني في العراق يبدو رهانا خاسرا بلا شك، لكن قراءة السعودية و دول الخليج هذه للتوازنات السياسية العراقية كانت تستند أيضا الى مقاربة أخرى مبنية أساسا على قبول و لو مشروط بدعم الصدر سياسيا من أطراف دولية بهدف تحييد السيطرة المطلقة لايران على القرار العراقي و هو ما يندرج ضمن الاستراتيجية الأمريكية الأخيرة للتصدي للنفوذ الايراني في المنطقة، اضافة الى أن دعم فصيل عربي شيعي بوزن التيار الصدري أو شخصيات سياسية كحيدر العبادي سيمثل اختراقا للصف الشيعي في العراق ما يضعف ذلك اللون السياسي الذي طغى على الواجهة العراقية، لا غرب أن زيارة مقتدى الصدر للسعودية العام الماضي تلبية لدعوة رسمية و لقاءه بولي العهد السعودي و التي سبقه اليها العبادي حينها و زيارته التالية لأبو ظبي مثلتا إيذانا بتوجه سعودي اماراتي لدعم الصدر سياسيا و وضع تفاهم لتقارب خليجي عراقي قد يفتح أبواب العراق على جواره العربي و يخرجه من عزلة أفردت به الجار الايراني المتحكم، و لكن رغم ذلك لا يصح إعتبار فوز الصدر في الانتخابات البرلمانية الأخيرة فوزا مطلقا للسياسة السعودية الخليجية في العراق لوجود عوامل أخرى ساهمت في حصول قائمة الصدر على المرتبة الأولى لعل أهمها النفور الشعبي من الدور الايراني التخريبي و الاحباط المترتب عن الفشل المتواصل للوجوه القديمة و على رأسها الأطراف الشيعية الممثلة للمصالح الايرانية و هو ما ترجمه أساسا ضعف الاقبال الشعبي على الانتخاب، و مهما يكن من أمر، فإن نجاح الرهان على أطراف سياسية يؤكد على وصفها بالوطنية و العروبة في كسر الاستحواذ الايراني على القرار العراقي رغم شيعيتها و عدم ثبوت معارضتها للتدخل الايراني بالأفعال دون الأقوال حتى الآن، سيساهم فيه بلا شك جدية التوجه الأمريكي لتقليص نفوذ طهران في المنطقة و نجاح تلك الأطراف ابتداءً في تجاوز عتبة تشكيل الحكومة التي لن تشكل دون حفظ الحد الأدنى من المصالح الايرانية على أبعد تقدير، اضافة الى مدى التحرك العربي لانجاح التقارب بين العراق و جواره الخليجي و ان كان انهاء التغلغل الايراني في العراق بشكل كامل بعيد المنال في المدى القريب . —————————————————————————————- عبد الفتاح بن عطية كل الوطن
مشاركة :