د. عارف الشيخ القصر في السفر مشروع بالقرآن الكريم والسنة بالإجماع للآيات والأحاديث الواردة في هذا الباب، ففي القرآن الكريم: (وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة، إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا..)، «الآية 101 من سورة النساء».وفي الحديث قال ابن عمر «صحبت النبي صلى الله عليه وسلم، فكان لا يزيد في السفر على ركعتين، وأبو بكر وعمر وعثمان كذلك»، (متفق عليه).وأجمع العلماء على أن المسافر سفراً مشروعاً لا سفر معصية له أن يقصر ويجمع.لكن اختلف الفقهاء بعد ذلك في حكم القصر للمسافر، هل هو واجب أم سنة أم رخصة؟ فالإمام أبو حنيفة، رحمه الله تعالى، قال بالوجوب، لأنه يرى أن القصر في السفر عزيمة لا رخصة، ومعنى العزيمة أنه واجب، لماذا؟ لأن الصلاة عندما شرعت كانت ركعتين ثم زيدت، ودليله عائشة رضي الله تعالى عنها: «فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر». (أخرجه البخاري ومسلم).- لذا فإنه لو أتم المسافر صلاته في السفر، وجبت عليه سجدة السهو عند أبي حنيفة لأنه أخل بالواجب.- أما الإمام مالك وهو إمام دار الهجرة، ويتخذ من عمل الصحابة مصدراً للتشريع فإنه يقول: «القصر سُنة مؤكدة في حق المسافر، لأن الرسول فعل ذلك، ولم يصح عنه أنه أتم الصلاة في السفر» واستشهد بحديث ابن عمر الذي سبق ذكره.- ويرى الشافعي وأحمد أن القصر للمسافر رخصة وهي تقابل العزيمة، وكونه رخصة يفيد أن المسافر مخير بين الفعل والترك، فله أن يقصر وله أن يتم، كما أن الإفطار للصائم المسافر في رمضان رخصة. ودليلهما قول الله تعالى: (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة..)، «الآية السابقة». وكذلك حديث ابن عمر السابق، وحديث: «إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه»، (رواه أحمد والبيهقي والطبراني).- ولو بحثنا عن سبب مشروعية القصر في السفر، لوجدنا أنه لرفع المشقة والحرج، فالله تعالى يقول: (وما جعل الله عليكم في الدين من حرج)، (الآية 78 من سورة الحج). والقاعدة الفقهية تقول: «المشقة تجلب التيسير»، وتقول القاعدة الأخرى: «الأمور إذا ضاقت اتسعت».- والمراد بالسفر السفر الطويل الذي يبيح القصر والجمع والإفطار والمسح على الخف، ثم السفر المشروع، إذ لو كان السفر سفر معصية لم يبح له القصر، لأن الرخص في الطاعات وليس المعاصي.- من هنا فإن الحنفية قيدوا السفر المبيح للقصر، بما فيه مسيرة ثلاثة أيام بلياليها بسير الإبل أو مشي الأقدام، أي ما يساوي عشرين ساعة وربع الساعة كما يقول الدكتور وهبة الزحلي في كتابه «الفقه الإسلامي وأدلته» (ج2 ص315 - 321).- ويرى الأئمة الثلاثة غير أبي حنيفة أن السفر المبيح للقصر هو ما قدر بمسافة يومين أو مرحلتين بسير الإبل والأقدام، أو يقدر بأربعة برد أو 48 ميلاً هاشمياً، وتقدر بالكيلومترات 89 كم تقريباً.فمتى قطع هذه المسافة حتى لو بالطائرة، كما في زماننا، جاز له أن يقصر آخذاً بالرخصة.- إذاً المسافة سواء قدرت بالأيام أو بالبرد أو بالأميال أو بالفراسخ أو بالأذرع، فإنها اليوم مقدرة بالكيلومترات وهي 89 كم، ولا فرق بين البر والبحر في تحديد المسافة.ولابن قدامة من الحنابلة رأي مخالف حيث إنه يرى أن تقييد المسافر بمسافة معينة مخالف للسنة، والأرجح عنده قول من أباح القصر للمسافر أي مسافر من غير تحديد مسافة.
مشاركة :