لا يخفى على الأريب العاقل أهمية السفر والرحلة في اكتشاف المعاقل، واستجلاء المجاهل، فلا يثبت العلم إلا بالاستكشاف، ولا يستقر العمل إلا ريث الاستشفاف. ومجالات الحياة كثيرة؛ وفضاءاتها كبيرة، ومغرياتها مُبيرة. وقد عبر الشافعي عن ذلك كله ببيتين من عيون الشعر، فأفاد وأجاد: تَغَرَّبْ عَنِ الأوْطَانِ فِي طَلَبِ العُلَى وَسَافِرْ فَفِي الأسْفَارِ خَمْسُ فَوَائِدِ تَفَرُّجُ هَمٍّ وَاكْتِسَابُ مَعِيْشَةٍ وَفَضلٌ وَآدَابٌ وَصُحْبَةُ ماجْدِ وقد خُص الإنسان بغريزة الفضول وما فيها من قوى الدفع والوصول.. ليسعى في الأرض، وينكث في مناكبها بما يفيده.. وأقل ذلك تفريج للهموم، وتبديد للغموم، وتلقيح للفهوم. ومعنى السفر لغة؛ هو البروز أو الظهور، أو الكشف عن المستور. وجمع كلمة السفر الأسفار. ومُسافِرٌ: مفاعِل من السَّفَر. والسَّفْر: القوم المسافرون. ومسافر هو الشاعر الذي كان يشبِّب بهند بنت عُتْبة. قال حسان: عُوجوا فحَيُّوا أيُّها السَّفْر بل كيف يَنطِقُ منزلٌ قَفرٌ وقد يسمى الكاتب سافر لأنه يبين الشيء ويوضحه، وسمي السفرُ بفتحتين سفراً لأنه يسفر ويكشف عن أخلاق الناس. ومرة ثانية نجد الشافعي يحثُّ على السفر، فكأنما -رحمه الله- يرى أن الحركة صنو البركة، وأن السكون، لا يليق إلا بالرجل المهدون –البليد-. وقمينٌ بمن يهوى السفر أن يفترش المَدَر، وَاستناد الحجرِ، وردّ الضّجرِ، وركوبِ الخطرِ، وإدمانِ السّهرِ، واصطحابِ السّفرِ، وكثرةِ النَّظرِ، وإعمالِ الفِكرِ. وقد عِيبَ على من يظل حلسَ بيته، ولا يكون ذلك إلا إذا حببت إِليه الوحدة، وزُينتْ له العزلة، فآثر الانفراد، واستانس بالبجاد، وأخلد إلى الوحدة، وأدمن القومة والقعدة. فإذا كان ذلك كذلك، كان قميناً أن يخاطب بما يخاطب به الجَنين: أنتَ مُستَعْصِمٌ بكِنّ كَنينٍ وقَرارٍ منَ السّكونِ مَكينِ ما تَرى فيهِ ما يَروعُكُ منْ إلـ فٍ مُداجٍ ولا عدوٍّ مُبينِ طباعة Email فيسبوك تويتر لينكدين Pin Interest Whats App
مشاركة :