أن يموت مليون شخص من السوريين فلا بأس في ذلك.وأن يتم تشريد عشرة ملايين فهي مشكلة قابلة للحل.وأن يصاب مليونان بجروح ما بين شديدة ومتوسطة وخفيفة فهذه بالتأكيد مسألة فيها نظر.وأن تحرق مدن بأكملها وتتساوى أبنيتها مع التراب وأن يدفن تحتها ما لا يمكن حصره من الضحايا فهذا برأيهم ضريبة لا بد من دفعها لأجل الوطن.عن أي وطن يتحدثون وعن أي أخلاق يتشدقون؟ لقد تحولت الأرض السورية الطاهرة إلى مقبرة للأحياء قبل الأموات، وليس أدل على ذلك من شلالات الدماء التي تنهمر ليل نهار بهذا السلاح أو ذاك ولا فرق هنا مَن قتل مَن، النتيجة أن الموت قتلا أو بسبب الجوع أو البرد هي النتائج الحتمية، وإن لم يكن فالتشرد والهجرة المريرة هما الحل الأمثل المتبقي أمامهم إلى بلاد الله الواسعة.وليت الأمر توقف على ذلك، فلقد ابتليت القضية السورية بفئة من المنتفعين من مصاصي الدماء الانتهازيين والذين يظهرون دائما حين تشتعل الحروب ويتأجج أورادها في كل عصر ومكان، فمنهم من يتاجر بقوت الشعب ومنهم من يقدم خدماته الطبية بمقابل جنسي؛ تماما مثلما حدث في سورية وبورما من بعض فرق الإغاثة الدولية. وهنالك فئة ثالثة تنشط دائما في هذه الظروف وهم أمراء الحرب والذين يشكلون سلطة جديدة في مناطق النزاع بسبب غياب السلطة الحقيقية للدولة، وقوام هذه السلطة السلاح والمال والرجال الذين قبلوا أن يكونوا أتباعا أو مرتزقة بسبب بحثهم عن المال والحماية. لقد باع أمراء هذه الحرب الآثمة أوطانهم وأهليهم من أجل حفنة دولارات، فاستغلوا هذه النقود الملطخة بدماء السوريين من أجل أن يبني كل فرد من هذه الميليشيات امبراطوريته الخاصة داخل المدن السورية ويفرضوا سلطتهم المقيتة على قاطنيها من المدنيين.فتارة هم يدفعون المال لتصفية البعض بحجة أنهم أتباع النظام من الخونة، وتارة أخرى يقتلون أولئك لأنهم وفق تصنيفهم من الدخلاء على الثورة السورية ومن ضعاف النفوس والذين يبثون الروح الانهزامية لدى المقاتلين.لقد تقاطرت إلينا الأنباء تباعا عن أولئك النفر الذين عاثوا في مقدرات الشعب السوري خرابا ودمارا وأشاعوا الذعر بين الأبرياء من أجل تدوم سيطرتهم والأمر لديهم سيان طالما أن الجيب عامر بالدولارات التي تعطيهم القوة وتمنحهم السلطة المقيتة على الناس، ولا بأس عندهم أن تفوح رائحة الموت ويشربون على أطلالها كأس النصر ويتبادلون الأنخاب زهوا وفرحا. لقد وصلت القضية السورية إلى منعطف خطير وبات الصراع فيها لا يميز بين معارض أو إرهابي وبين طفل أو جندي مدجج بالسلاح فالكل تحت مرمى النيران لا لشيء فقط سوى الاستحواذ على مقدرات الشعب السوري من أرض وثروات وتاريخ عريق وحضارة امتدت لآلاف السنين.لقد ذكر الكاتب الأردني الدكتور أيمن العتوم في روايته «خاوية» بعض النماذج من أمراء الحرب والذين تدثر بعضهم بالدين والبعض الآخر بالوطنية والدفاع عن الوطن فما كان منهم إلا أن أشاعوا الذعر بين المواطنين ودمروا ما بقي من الإنسان السوري وسحق كرامته تماما مثلما حدث مع الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء عندما قامت بعض المجموعات من الزعران والبلطجية بفرض سلطتهم على المخيمات وقاطنيها.الحرب نقمة وفقدان الأمان محنة وشيوع الموت علامة من علامات يوم القيامة وإن لم تكن شعوبنا وحكوماتنا على قدر من الوعي بمخاطر الحروب والدسائس والمؤامرات فعلى أمتنا العربية السلام وعظم الله أجركم فيما ذهب منها وأعانكم على ما هو آت ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.خاطرة: تناثرت الأشلاء... تطايرت الجثث... سقطت القيم... وسادت الهمجية... وسقطت الكرامة العربية في وحلك يا سورية... لله درّك يا سورية، كم من الدروس والعبر سننهل منك ولا نعتبر... كم؟z_alweher@hotmail.com
مشاركة :