إبداعات البوابة| "درس الأستاذ" قصة قصيرة لـ"مروة القط"

  • 5/4/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

توقع الطلاب أن يشرع الأستاذ فى المنهج المحدد لهم.. وقد شعروا تجاهه شعورا حسنا بالمودة والأُلفة.. بعد أن أنصت إليهم قبل أن يتحدث معهم عن مكونات وجبته العلمية الدسمة.. ويبدأ فى ملل المبالغة فى النقد أو المدح دون موضوعية.. ونادرا ما يشعرون بهذا أولئك المتمردين تجاه أحد من أساتذتهم المتعجرفين.. فغالبا ما يتحدثون من برج عاجى دون اكتراث.. دون معرفة حقيقية بهم.. فيتعاملون مع كل الأجيال بنفس المنطلق والآليات.. بنوع من التنميط الذى يواجه هجوم شرس فى مؤلفاتهم. لم يجدوا أستاذا متسقا مع ذاته إلى هذا الحد من قبل. وقد تعلموا درسا ضمنيا آخر.. أن الإنصات أولا يمنحهم فهما عن الآخر.. ويُشعر الآخر براحة مدهشة تجاههم.. ويُمهد لإنصات تام فى المرة المقبلة التى يبدأ هو نفسه فى التحدث. دخل مبتهجًا.. وقال فى وقار الأستاذ الحقيقي: عندما كنت فى مثل عُمركم تمنيت لو يُرشدنى أحدهم إلى أى أرضٍ أجوب.. على أى متن طائر أنتقل.. وإلى أى حُلمٍ أرسى أو على الأقل يمنحنى بعض الدعم النفسى ويُعدل من مساراتى ويُرشدنى إلى مواطن ذلاتي.. من باب النصيحة لا الوصاية. ربما كنت متفوقا.. لكن مشاكلى النفسية بدأت فى التثاقل.. وتزامنا مع هذا كان زملائى يُعانون الشيء المُعاكس تماما.. فقط كانوا يتمتعون بالبهجة والراحة وانطلاق وطيش الشباب المحمود.. كما كنت أرى الرغبة لدى بعضهم فى التفوق لكنهم لم يجدوا معاونا! فكرت ذات مرة فيما يحتاج هؤلاء وقد تحليت بقدرة بسيطة على الموضوعية بل وتجردت تماما من كونى متفوق دراسيًا.. وجدت أن من مشاكل عصرى وربما عصركم أيضا سوء توجيه فى أساليب الاستذكار! لم نتعلم قط فى الصغر كيف نذاكر؟ ولماذا ننسى المعلومات؟ كان أساتذتى يُطالبوننا بأن نكون مثل طلبة دول أوروبا المثقفين ولم يكونوا هم أساتذة أوروبا الفلاسفة المتميزين! ربما يتغاضون على كل مشاكل أمتنا العربية وواقعنا المغاير وسقطات التعليم وفجوات الثقافة والمعرفة.. لماذا لا يخبرونا أن هناك عددا من المؤلفات- والكتب الفلسفية وأخرى تاريخية وغيرها اجتماعية وروايات وغيرها.. يجب ألا تنقضى أى سنة من السنوات الأربع إلا وقد تم قراءة أغلبها.. فى كل مرحلة تختص ببناء مستوى معين من المعرفة وتُمهد الطريق لذاكرة منظمة تاريخيا ومعرفيا وعلى قدر كبير من الوعي.. تستطيع أن تجاريهم بل وتُسهل عليهم المشوار الطويل.. أما ذاكرتهم حاليا فهى أشبه بفتات طعام الطيور المختلط أو مكونات الكشرى التى لا يجمع بينهم رابط سوى أنهم يدخلون المعدة معا! كما أيضا كان من المهم أن يحذرونا من التوقف عند هذا الحد.. فقد تمارس هذه الكتب سلطة معرفية وكأن ما دونها لا يصلح للقراءة والمعرفة.. لكنه تمهيد لمن لا يستطيع الاسترشاد ولكى لا تصبح مطية للجهل. لكن بعضهم أراد دائما شعورنا بالجهل! لا تتعجبوا.. شعورنا بالجهل يمنحهم شعورا بالمعرفة.. احتقار للمعرفة والعلم.. فلا نخرج من تحت عباءتهم قط! ربما لقدر ما من الحدس الذى نملكه أنا والقليل نعرف كيف ندرس؟ وماذا نقرأ ومن من نتعلم بينما هم؟! كما كان لدى أمنية أخرى نحن شعوب ينهش فينا مرض الاكتئاب لماذا لم يعلمنا أحدهم المقاومة؟ بكل هذا الانهزام النفسى الذى نملكه- وبرغم قدرتنا على الفكاهة والضحك- بالله كيف يستطيع أولئك القوم النهوض بالأمة؟ تمر الأعوام أمامنا ونتوارث هذا المرض اللعين وتُأصله الأنظمة والعادات والأعراف والتقاليد ودوجما المعتقدات الدينية! لم نتعلم كيف نُقبل على ما لا نحبه وكيف أن التهيؤ النفسى قد يُغير مسارات التفكير.. عندما تجد تفصيلة صغيرة جدا تحبها فى كل شيء تكرهه. لذا لقد جئت اليوم أمنحكم بعض الذى فقدناه.. وقد تعلمت سالف الأمر من أحد أساتذتى المُخلصين أن فاقد الشيء قد يكون أكثرهم قدرة على أن يُعطيه.

مشاركة :