إبداعات البوابة| عوالق قصة قصيرة لـ«عمرو عاطف رمضان»

  • 9/18/2020
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

"لم أمُت بَعد، كان عليها أن تتأكَّد من أننى قد مُتُّ تمامًا قبلَ أن تُغادر مُستريحة. كنا جالسَين نتناولُ العشاء، ونتضاحك معًا ونحن نتذاكر الأيام والذكريات، ورغم أننى شممتُ رائحةً غريبةً فى المكان لكن رغبتى فى قضاءِ وقتٍ جيدٍ كانت قوية جدًا بعد يوم مرهقٍ طويل. استطعتُ أخيرًا أن أقنعها أن تترك حياءَها المصطنعَ وأن تصحبنى إلى شقتى لليلةٍ واحدة. قالت فى بسمةٍ وعينٍ زائِغة:- لا شىءَ ممّا فى دِماغِك..ابتسمت فى براءة: - ليسَ في دِماغي شَىء!حقًا، لم يكن ثمَّة شىءٍ فى دماغى، لكننى لم أعدم نشوة الانتِصار. والآن تقتلنى. كنتُ أنظرُ إلى الطعامِ أمامى وأتحدَّثُ عن تلك المرَّة التى ساعدتُها فيها على عبور الطريق السريع ونحن خُروجٌ سويةً مع أصدقائِنا، وكيف راحت تصرخ كالطفلة المذعورة وتتشبَّث فى كتفى، وكيف حركت أنا يدها فى خفة لتنزلق من كتفي إلى كفّى، نسيَتْ فى خوفها عِنادها وتشبثت أصابعها بأصابعى. لم تستطع أن تنكر ليلتها - رغم أنها لم تقلها صراحة أبدًا - أنه كان شعورًا دافئًا. كنت أُذكِّرها بذلك وأنظر لها نظرة طويلة باسمًا، عندما أمسكت بالسكين فى أقل من ثانية، وطارت فوق الطاولة باتجاه معدتى!تناثرت نقاط الدم على وجهها، لم تكترث بمحوها وهى تدير السكين فى بطنى يمينًا ويسارًا كى تنسل إلى داخلي أكثر. سرعان ما فقدت قدرتى على المقاومة وأنا أرتخى على الكرسي والدم يتدفق خارج معدتى كأنما يحتفل بحريته! لا أعرف من أين أتت بكل هذه القوة، جذبتنى من ذراعى ووضعتنى على الطاولة، وراح جسدى يدفع بالطعام إلى الأرض. رقدت على ظهرى لا أقدر على الحركة، بسطت ذراعى وربطتهما فى ركنى الطاولة، وهى تصيح بهيستيرية:- أنا وحيدة للغاية.. طوال حياتى وحيدة..ثم اعتلت جسدى وراحت تغرس السكين فى معدتى أكثر وهى تتمتم:- لماذا لا تموت؟ أخبرنى؟!لم أقدر حتى على الرد، لم أقدر على سؤالها لماذا! لكنها أردفت:- ربما لم يكن عليكَ الدخول فى حياتى من الأساس!عندما هدأت تمامًا قامت من فوقى ومضت نحو الباب، ولكن صوت صعود أنفاسى أعادها مرة أخرى. لم أمت بعد، كان عليها أن تتأكد من أننى قد مت تمامًا قبل أن تغادر مستريحة. قلت فى صوتٍ لا يكاد يسمع:- لم أقصد ايذائكِ..ردت بسرعة صائحة:- لكنك آذيتنى.. فعلتها وآذيتنى.. والآن لا أدرى لم لا تموت أيضًا، أتذكر تمامًا أنه عندما قتلنى هو مت فى لحظتها، لم أنتظر حتى أن يهدأ نبضي، كأنما أردت أن أموت!!أمسكت يدها بيد غارقة فى الدماء، لم تقاوم وتركت يديها لأصابعى، ضغطت على يدها فانساب الدم من جسدى. قالت جازعة:- يجب ألا يعرف أحد أننى كنت هنا. على أن أتأكد من أننى مسحت كل آثارى.- لا تقلقى. لن أخبر أحدًا..- حقًا؟- أجل، أنا بشر فى النهاية، وأعرف معنى الخطيئة. كلنا نخطئ من فترة لأخرى..- على أن أذهب الآن، ربما يأتي أحد ليسأل عنك فينكشف أمرى!- حسنٌ..نظرت لى فى رقةٍ، وأخرجت السكين من بطنى وهى تقول:- أنا آسفة.. آسفة جدًا.. - أعلم ذلك.. غادرت وهى تنظر لى فى رقة وأسى حتى وصلت إلى الباب، أغلقته وراءها فعم السكون المنزل حولى. قمت فى صعوبة وأنا غارق في دمائي أحاول الوصول إلى الهاتف طالبًا النجدة. وقررت أننى لن أكلمها للخروج معها أبدًا مرة أخرى، رغم أننى أحبها كثيرًا".

مشاركة :