إبداعات البوابة.. فقد قصة قصيرة لـإيناس نور

  • 10/5/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

حينما تجتمع أصناف الفقد على القلب يصير مثل الغريق يتشبث بأى فسيلة من الذكرى، من الأطلال الباقية فى رحاب خيالاته ولكن هيهات له أن يخفف ما يجد، فالشوق كافر ولا ملة له، إيمانه الوحيد الاقتيات على قلوبنا فيقرض كل ما يراه متينًا متماسكًا، ويشتت أطرافه عن بعضها وتنجذب الأطراف ثانية بقوة كامنة، غير أن متعته تحول دون ذلك فيصلب نفسه وسط كل هذا ويذيب الكل فى دوامة تيه ويغرقون فيها ولا يعون أين البر، حتى إذا أتى الوصل وادعى قرارًا ونعيمًا ضحكت منه فزاعة الشوق اللعين.لم تجد أختى ما تمازحنى به حينما تشكيت لها من اشتياقها إلا أن قالت: البسى حذائى وامشى به فى البيت وتذكريني!فى لحظة خاطفة لامس ذاكرتى أن فى الخزانة بدلة لأبى وهو فى الجيش المصري، قد أفتق خيطها من نسجه إلى أن يصير بكرة وأغزل بها ثوبًا بحجم جسمى وألبسه فيحيطنى شذاه.وهناك صندوق حديدى يضم أوراقًا خطها بيده بها أشعار وأحجيات وورود ومعادلات فيزيائية، قد أرجع الحبر إلى قلمه ثانية وأبلل به الكرسى الخشبى الذى أقعد عليه، فيتشرب عقلى منطق أبى المحفوظ فى الحبر.ويحتمل هذا البيت الذى أعيش فيه بالقاهرة الكثير من أنفاس أبى لنشأته فيه ومكوثه، وببيتنا القديم بالجزائر أنفاس له لا حصر لها لأنه تزوج به وأنجب وفارق الدنيا على أعتابه، قد أجمع تلك الأنفاس فى بلونة سحرية تتسع قدر ما أريد، ثم أنفثها فى صدرى عل أشفى من حساسية رئتي، وعل طاقتى للحياة تتنامى، وعل قلبى تلتئم شروخه المفتحة كأنه وردة مراقة العطر، أو عين جوفية متروك سيلها دون سد أو حابس واقترب جوفها من لفظ آخر رمق به. عل أفجر جوفًا احتياطيًا بجوفى، أو تقترب آخر قطراتى بحائط يكتنز باطنه أصول صلاح بجيناتي، فيلين الحائط ليترسخ عودي، ويفيض نهر من الجود، ويعلو صهيل الجنود، وندرك آخر ثغرة للحرب وننتصر.ولست أستطيع فعل شيء من هذه الشطحات مثلما لا أستطيع التعبير بأبسط الجمل عن شوقى لجدار أبى الذى كنت أحتمى به، وغاب أبى واندثر معه الجدار، ولا أتقن غير مواصلة وجوده بوجودى فاعرضوا عن البكاء الدفين وانصتوا للغناء.

مشاركة :