«التاريخ لا يعيد إنتاج نفسه إلا في شكل ملهاة»!!

  • 5/9/2018
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قال الصديق، وهو في سورة غضب:  لقد أصبحت كلمة «حوار» تثير أعصابي لكثرة ما استخدمت واستهلكت. لقد أصبحت أرى أن وقت الحوار قد فات بالفعل، لأن كل الذين يسمون أنفسهم (معارضة) أصبح غير مرحب بهم في المجلس الوطني القادم، ولا في الحراك السياسي الوطني. لقد احترقت أورقهم ومراكبهم. وقد اثبتت الأحداث أنهم لا يريدون الحوار، ولا يؤمنون به أصلاً. وقد انسحبوا منه اكثر من مرة.. قلت: إن السياسة هي المضاد المعجمي للعنف واستخدام القوة، وهي مجموعة الأساليب والطرق الخاصة بكيفية صنع التوافق والإجماع المشترك بين مختلف التوجهات في إطار الحفاظ على المصلحة الوطنية العليا. ولذلك يكون الحوار الأداة الرئيسية لتحقيق التوافقات باستمرار. وبالرغم من أن الجميع يؤكد بأن من بين الشروط البديهية للحياة الديمقراطية الطبيعية عدم اللجوء إلى عنف المعتقد أو عنف الشارع، لفرض رأي أو فكرة أو مطلب، مهما كان مشروعا، فإن البعض يلجأ أول ما تلجأ إلى أساليب عنيفة أو ركيكة لفرض الرأي أو الفكرة أو الموقف. وإذا كان يفترض (نظريا على الأقل) أن يكون الحوار أداة أساسية للتفاهم داخل المجتمع الإنساني (الطبيعي)، فإن كل حوار في العمل السياسي العاقل يفضي بالضرورة إلى تسوية من نوع ما، والتسوية تكون في شكل حلول وسط في الغالب، تجمع بين الثوابت الوطنية والمصالح العامة وقيم الحرية والعدالة والتجرد من الأنانية الفئوية قدر الإمكان. فهل هذه التسوية فات أوانها؟؟ قال الصديق: نعم أجزم بذلك، فقد فات الأوان، ولن يقول لهم أحد: (تعالوا نتحاور).. لقد كانت هناك فرص ذهبية للحوار أمامهم، هم أهدروها، منها حوار 2011 ثم الحوار الذي دعت إليه السلطة في أكثر من مناسبة، وكانت هنالك المبادئ التي أعلن عنها سمو ولي العهد في حينه.. إلا أن هؤلاء كانوا يضيعون الفرصة تلو الأخرى، بل خرج علينا أحدهم وقتها ليهدد الحكومة والمجتمع باللجوء إلى الشارع، وقد فعل ذلك، وأدخل البلاد في نفق التأزم، فأي حوار مع مثل هذه العقليات الفاسدة؟ قلت: أتفق معك في أن«الحوار»ومهما كان مطلوبا لذاته، وضروريا في الحياة العامة، فلن يكون مفيدا إذا كان بصيغة تعميم مطلق غير مقيد بثوابت البداية والنهاية، ولذلك فتجريده من أي تعريف وتهديف تجعله صعب المنال وغير مفعال ومثمر. إلا أنني أرى – مع ذلك-أن الحوار الوطني يأتي من منطلق تحليل مفاده أن تفاقم الوضع واستمرار التأزم هو نتيجة لحالة«الجمود السياسي وعدم التقدم في فك عقدة ملفات سياسية معروفة ومعلنة». ولكن صحيح أيضا أن بعض تلك الدعوات تبدو ضيقة الأفق، لأنها تأتي ضمن موجة الضغط السياسي والإعلامي لا أكثر ولا اقل، وليس من منطلق الوصول إلى حلول توافقية حقيقية ومستدامة. والدليل على ذلك أن نفس تلك الدعوات التي تظهر في بعض المناسبات وتشيد بالحوار وتدعو إليه، نجدها تتراجع عندما يجد الجد، ولا يبقى لها سوى صوت باهت. أو تقرن الحوار المنشود بمجرد لائحة مطالبات سياسية مكررة، بما يعني ان الحوار بمعناه الفكري والسياسي والإنساني ليس واردا عندهم. بما يعكس حالة التردد السياسي خارج (الهدف الوطني النهائي) بمعنى التئام الكلمة على حفظ السلم وتحقيق العدل والأمن للبلاد والاستقرار الذي يخدم مصلحة الجميع في النهاية. قال الصديق محتدا: إنهم مغامرون وانقلابيون وليسوا طلاب سياسة بالمعنى العاقل الذي تشير إليه. وان رفضهم للحوار لم يكن جديدا، ففي عام 1995 وبعد اندلاع الاحداث في البلاد تنادى عدد من كبار العلماء والأعيان للحوار، ولكن الذين نصبوا أنفسهم ممثلين عن الشعب من دون أي شرعية حقيقية، أفسدوا كل شيء. ولذلك شنوا حربهم الجبانة على لجنة الحوار وخونوهم وحاولوا تسقيطهم بين الناس. وبعد ذلك، وبالرغم مما قدم لهم المشروع الإصلاحي من مكتسباتهم لم يكونوا يحلمون بها، قاطعوا انتخابات 2002، كما قاطعوا برلمان 2014م، وانسحبوا من البرلمان في 17 فبراير 2011 م، وأتيحت لهم الفرصة في الانتخابات التكميلية في سبتمبر 2011 ولكنهم ركبوا رؤوسهم واصروا على المقاطعة. كما أنهم انسحبوا من حوار التوافق الوطني 2012 م، ورفضوا مبادرة النقاط السبع الشهيدة والتي تفضل بها سمو ولي العهد في 12 مارس 2011.. خذلوا الجميع لأنهم عدميون وانقلابيون مغامرون، ولذلك انتهى بهم الامر إلى الفشل الذريع بعد أن تسببوا في أكبر كارثة للبلاد، ولذلك فإنني أرفض أي حوار مع هؤلاء باي شكل من الأشكال، لأنه عديم الفائدة. لديهم تاريخ من الرفض والتمرد على المجتمع والدولة.. وشكلوا حالة أسوأ من الطائفية إذ احتربوا حتى مع أبناء جلدتهم، ولم يقبلوا بالتحاور معهم.. فأي حوار يمكن أن نتكلم عنه مع مثل هؤلاء؟؟ قلت: ومع ذلك فإنني مازلت على قناعة بأن الحوار ضرورة ولازمة من لوازم السياسة في كل وقت وحين، أيام السلم وأيام الأزمات، ومن دونه لا تستقيم الحياة السياسية بين الفرقاء أو الشركاء. وهو يقتضي بالضرورة وجود سياسيين يدركون معنى الحوار ومستعدين لتبادل التنازلات. وهذا أمر يقتضي بالضرورة وجود سياسيين (وليس رجال دين أو رجال طائفة)، وذلك لأن السياسي الواعي وحده هو من يمتلك من الفهم السياسي والقانوني والدستوري، ما يجعله مدركا للعواقب ولشروط العمل السياسي وحدوده، ومؤمنًا بضرورة الوصول إلى «حلول الممكن»، في كل مرحلة من مراجل تطور الحياة السياسية في المجتمع، ومستعدًا للتراجع عن المواقف الخاطئة عندما يتبين خطؤها، أو عندما يتبين أن المصلحة الوطنية تقتضي هذا التنازل أو التراجع، مهما كان صعبًا... ليست المشكلة إذن في الحوار حتى وان بدا صعبا، لكن المشكلة تكمن في مدى الاستعداد الصادق لطي صفحة الاحداث بحس وطني، فالمعضلة تبدأ عندما يكون المطالبون بالحوار غير مستعدين للتزحزح قيد أنملة عن مواقفهم وشروطهم، ويقدمون مرجعياتهم على أنها قدس الأقداس، مما يجعل الحوار مستحيلاً أو عقيمًا. قال الصديق معلنا انسحابه من أي حوار:  السؤال يا صديقي هو: من هم الشركاء في هذا الحوار المنشود؟ ومن سيقود هذا الحوار؟ وفي أي اتجاه يقوده؟ وما هي غايته النهائية؟ وما هي فضاءاته التي يفترض أن تحتويه وتصل به إلى نتائج يكون لها الأثر الملموس على حياة الناس، وليس مجرد مناورات سياسية؟ إذا كان المقصود أن يشارك فيه من تورط في افتعال الأزمة وتسبب في الكارثة، فأستطيع من الآن أن أؤكد لك استحالة أن يكون لذلك أي فائدة. وعموما فإن بعض الحركات الفوضوية ما تزال تنشط على نطاق ضيق جدًا، بفعل استمرار التحريض. وكل من يسمون أنفسهم سياسيين وقادة، يكتفون بالفرجة. ولذلك، وإذا كانوا يريدون حوارًا فليتحاوروا مع مريديهم الذين يعيثون في الأرض فسادًا، إن كانوا جادين وصادقين! همس برغمهم تدور الأرض، وينمو الطلع وتلد الحقول، ويغسل النور العيون. برغمهم ينهمر الغيث، ويطلع النهار، تبزغ الشمس، ويفتح باب الدار، وتسقط الأسوار.

مشاركة :