إن من أهم الأخلاق التي يتحلى بها المسلم خلق الوفاء بالعهد، ويوضح هذا الخلق الكريم مدى التزام الإنسان بكل كلمة ينطقها وبكل وعد يقطعه على نفسه، إضافة إلى أنه يلزم الإنسان بتحمل مسؤولية أفعاله ومدى جديته ومدى احترامه لذاته أولاً قبل أن يكون محترماً للآخرين، وقد جاء الأمر بالوفاء بالعهد في أكثر من موضع في كتاب الله عز وجل منها؛ قول الحق سبحانه وتعالى {وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ} (سورة النحل: الآية 91). فالتاجر والنوخذة لابد أن يكون وفياً أميناً وصادقاً مع نفسه في المقام الأول، ومن ثم أميناً وصادقاً مع الناس، فالوفاء والأمانة مجلبة للرزق، وسبب في حدوث البركة والنماء لا محالة. وتوضح هذه القصة الواقعية (من كتاب د.عبدالمحسن الجارالله الخرافي «عائلة العثمان: مدرسة السفر الشراعي في الكويت» – ط1- الكويت: المؤلف، 2003م – ص 196 – 200) مثالاً ونموذجاً لصاحبها النوخذة عثمان عبدالعزيز العثمان رحمه الله، وتبين حكمته وسعة صدره ورجاحة عقله، وكيف كان يدير أمور سفينته بأسلوبه الطيب ومعاملته الحسنة مع بحارته. وتبدأ قصة الشاب عثمان عبدالعزيز بن عثمان مع القيادة والملاحة البحرية منذ نعومة أظفاره، حيث نشأ في بيت كريم وأسرة كريمة معظم رجالاتها نواخذة وبحارة، فتعلم منهم أصول ركوب البحر وفنون قيادة السفن الشراعية، وبرع فيها حتى أنه أصبح نوخذة حاذقاً ماهراً وهو ما زال في بداية شبابه، غير أن قضاء الله وقدره شاء أن ينتقل إلى الرفيق الأعلى مبكراً، حيث توفي وهو في ريعان شبابه حين كان عمره 24 سنة، وقد أصيب بمرض في حنجرته حين كان في بومباي، وتم احضاره إلى الكويت لكنه ما إن وطئت قدماه أرض الشاطئ في «سيف» الكويت حتى فاضت روحه رحمه الله إلى بارئها. ولعل أفضل ما نعبر به عن شخصية النوخذة عثمان عبدالعزيز العثمان موقف من حياته البحرية يعبر بصدق عن الأمانة والموضوعية والدقة والإخلاص التي تحلى بها رحمه الله تعالى، حيث يبين مدى أمانته وصدقه مع بحارته، وحرصه على أداء الحقوق والواجبات كاملة لجميع العاملين معه. فحينما احتاج النوخذة عثمان عبدالعزيز العثمان، وهو في بندر «جوادر» على الجانب الفارسي من الخليج إلى عدد من العاملين ليتموا معه رحلته لم يجد إلا أناساً مطلوبين بمبالغ تخص الذين كانوا يعملون لهم سابقاً، وفي مثل هذه الحالة فإن من يأخذهم للعمل معه لا بد أن يقوم بسداد المبالغ التي عليهم. وقد قام النوخذة عثمان بهذا الدور، وألحق هؤلاء بخدمة سفينته، وتعهد بأن يسدد ما عليهم من ديون، كما تعهد بإعادتهم إلى مقر سكنهم في «جوادر» بعد انتهاء المهمة، وذلك على الصورة التي تحددها ظروف العمل عند وصوله إلى الكويت، ولم يكتف هذا الربان الوفي بذلك، بل كتب على نفسه تعهداً بكل ذلك مذيلاً بأسماء البحارة والمبالغ التي في عهدتهم وتعهد بسدادها نيابة عنهم رغم أنه غير ملزم بذلك. وهكذا ضرب النوخذة عثمان عبدالعزيز العثمان مثالاً رائداً يحتذى في الأمانة والدقة والإخلاص، كما أعطى بموقفه هذا درساً رائعاً في الحرص على الالتزام بالوعود، وكيف يتم حفظ الحقوق والواجبات في المعاملات المادية بين البحارة في ذلك الوقت، وقد صدق الجميع فصدقوه وتعاملوا معه على هذا المنوال، وهكذا تحلى أهل الكويت الكرام في ذلك الوقت بالأمانة والصدق، وكانت قلوبهم ممتلئة بالوفاء، وأصبحوا قدوة حسنة تحتذى في حسن التعامل والحرص على أداء الحقوق. رحمهم الله جميعاً رحمة واسعة وأسكنهم فسيح جناته. د. عبد المحسن الجارالله الخرافيajalkharafy@gmail.comwww.ajkharafi.com
مشاركة :