ابتليت فلسطين العربية بنكبتين، نكبة إعلان دولة إسرائيل على التراب الفلسطيني بوعد ورعاية من الاستعمار البريطاني المحتل وقتها لفلسطين. أما النكبة الثانية، فهي تلك التي نعيشها اليوم بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، تنفيذا لوعد من الرئيس الأميركي ترامب. نقل السفارة هو اعتراف صريح للصهاينة باحتلالهم للقدس، رغم قرارات الأمم المتحدة التي قسمت القدس إلى قسمين عربي وإسرائيلي، وهي خطوة جعلت من الولايات المتحدة خصماً رسمياً وليس حكماً في حل الدولتين، ومع أن كل الإدارات الأميركية السابقة كانت تقف ضد أي قرار أممي يدين انتهاكات الصهاينة، فإن نقل سفارتها الى القدس هو تمادٍ في الانحياز الى الطرف الظالم، وانتهاك صارخ لكل الأعراف والمواثيق الدولية، وتأصيل لمبدأ الأمر الواقع للاحتلال، وغلق الأبواب في وجه أي حل سلمي محتمل يحفظ حق العرب في فلسطين، وتخطٍ لمقترح تحويل القدس إلى عاصمة دولية لكل الأديان الثلاثة، وهو مقترح قد يكون مقبولاً لدى الجميع. الموقف الأميركي لا يمكن تبريره لا إنسانياً ولا أخلاقياً، فالولايات المتحدة، التي طالما نادت بحقوق الانسان، وقاطعت وحاربت وأسقطت عروشاً بدعوى الدفاع عن المظلومين، فإنها في فلسطين كما لو تصاب بالعمى، وتختل عندها الموازين والمكاييل أمام ما يفعله الصهاينة من انتهاكات، ولما يرتكبونه من مجازر ضد العزل ومن جرائم وحشية ضد الإنسانية، إنها سياسة أميركية مجيرة بكاملها لمصلحة الصهيونية العالمية، سياسة تعتبر في الغالب مصالح الدولة الصهيونية أهم من مصالح الأمة الأميركية، ومن المبادئ التي قامت عليها أميركا أنها تغمض عينيها عن جرائم الاحتلال ضد العصيان المدني الفلسطيني الرافض للاحتلال الإسرائيلي، فأين الضمير الأميركي من جرائم القتل المتعمد للنساء والأطفال والعزل، وحتى المعاقين، أين القيم التي طالما نادوا بها؟ الآن الفلسطينيون يصرخون أين العرب؟ ولا نعلم من يقصدون باستنجادهم، فإذا كانوا يقصدون العراق وسوريا واليمن وليبيا، فنقول له: ادعوا لهم الله بأن يفك أسرهم، إنكم تنادون دولا تعاني هي الأخرى من أزماتها الداخلية والتدخلات الخارجية. أما إذا كنتم تعنون مصر، فلك الله يا مصر، فهي محاربة في أمنها واقتصادها. أما دول الخليج الداعم الفعال لفلسطين، فاسألوا عنها إيران، فهي التي شغلتهم بأنفسهم عنكم، بتدخلاتها المستمرة في شؤون دول المنطقة. نقول: كما استصرختم العرب، فنحن أيضاً نستصرخكم ونطالبكم بأن تنبذوا خلافاتكم، وأن تتحدوا في ما بينكم، فانقسامكم بلاء قاتل لكم. قلوبنا مع فلسطين، ولكن ما العمل وقد تكالبت علينا الأمم، ودمرت كل أسباب القوة لدينا، وسلطوا علينا من أشغلنا عنكم، فهل الخريف العربي وسقوط بغداد ودمشق وصنعاء وبيروت وغزة، وخلق داعش، وتسليط قوة إقليمية علينا ما هي إلا خطوات لتجهيز المنطقة المنهكة لما يحدث الآن في فلسطين؟ إنه سؤال لا نستبعد أبداً صحته. طلال عبدالكريم العرب talalalarab@yahoo.com
مشاركة :