يدعو الإسلام إلى التكافل والتراحم بين أفراد المجتمع المسلم، في كل الأحوال وفي جميع الأوقات، حرصا على توثيق العلاقات بين أفراد وطبقات المجتمع، حتى تتحقق وحدتهم وتجتمع كلمتهم، ليكونوا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، ويتأكد هذا التكافل وتقوى هذه العلاقات الإنسانية بين المسلمين في شهر رمضان، حيث يحرص المسلم على التعاون والتكافل وصلة الأرحام، ليحوز عظيم الدرجات ومقتديا بالرسول صلى الله عليه وسلم, في جوده وسخائه، فلقد كان من دأب النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله ألا يرد سائلا، ولا يمنع طالبا، ولا ينسى متعففا، متمثلا قوله تعالى: «للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم». سورة البقرة: 273. وكان صلى الله عليه وسلم رفيقا باليتامى، فكان إذا لقي يتيما مسح بيده الشريفة على رأسه، وكان من تواضعه ورحمته صلى الله عليه وسلم يسعى في حاجة الأرملة، رحمة بها، فإذا دخل رمضان ازداد تحليا بهذه الصفات، وتلك الأخلاق، فقد ورد في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان رسول الله أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، فيدارسه القرآن، وكان جبريل يلقاه كل ليلة فيدارسه القرآن، فلرسول الله حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة. وفي هذا الحديث دلالة على كثرة جوده صلى الله عليه وسلم, خاصة في شهر رمضان، فهو أجود من الريح المرسلة في العطاء، وفيه دلالة واضحة على أنه يجب على الأمة أن تقتدي بالرسول في جوده وعطائه، خاصة في شهر رمضان. حقا إن رمضان شهر التكافل، والتراحم والتواصل، لقد يسر الإسلام سبل التكافل الاجتماعي بين المسلمين، لتحقيق التقارب والتوافق، بين طبقات المجتمع المسلم، مما يقوي العلاقات الإنسانية، ويؤكد الروابط الاجتماعية، وجعل الإسلام التكافل الاجتماعي في هذا الشهر أعم، وأشمل وأعظم، وذلك عن طريق الترغيب في إفطار الصائمين ولو بالقليل، فترى في هذا الشهر العظيم الكل يسعى لإيصال الخير للكل، دون النظر للنسب والعائلة ودون النظر للوضع الاجتماعي، فالهدف الوحيد هو تأكيد الروابط، وتحسين الصلات مع جميع طبقات المجتمع، والمسلم في هذا الشهر يحقق مبدأ التنافس في الخيرات، والمسابقة إلى الطاعات، مستجيبا لقول الله تعالى «وفي ذلك فليتنافس المتنافسون». المطففين: 2. ولقوله تعالى: «سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم». الحديد:21. وقد رغب الرسول صلى الله عليه وسلم في إفطار الصائمين، وأن من فطر صائما كان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيئا، وكان مغفرة لذنوبه، وعتقا لرقبته من النار، وذلك لتأكيد التكافل الاجتماعي عمليا، وكما جاء في الحديث عن عطاء عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا). رواه الترمذي. وقال: حسن صحيح، وفي حديث سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر يوم من شعبان فقال: «أيها الناس: قد أظلكم شهر عظيم شهر مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمن، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شيء. قالوا: ليس كلنا نجد ما يفطر الصائم؟ فقال: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم، وخصلتين لا غنى بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار. ومن أشبع فيه صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة). رواه: ابن خزيمة، وقال الأعظمي: إسناده ضعيف، فيه علي بن زيد بن جدعان ضعيف. وقد قرر علماء السنة أنه يؤخذ بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، وهو ما ينطبق على هذا الحديث. إنها دعوة للتكافل والتراحم على قدر الوسع والطاقة، فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ويؤكد الحديث أن أجر إفطار الصائم يثبت لمن فطر صائما على تمرة، أو على شربة ماء، أو مزقة لبن، وهذا والحمد لله متيسر لكل الناس، ليحوز الجميع هذا الأجر وهذا الشرف.
مشاركة :