تجود نفس المسلم بالخير والعطاء في شهر رمضان أكثر من غيره من بقية شهور العام، لأنه يعلم أن الأجر مُضاعف على ما يقدمه من نفقات وعطاء، أو صلة وصدقات، وله في ذلك الأسوة الحسنة في رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون حين يلقاه جبريل في رمضان، يدارسه القرآن، فرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة. وفي شهر رمضان يتنافس أهل الفضل والإحسان في إعداد موائد الإفطار في بيوتهم أو في المساجد أو في الميادين العامة أو في الطرقات، ينتظرون القادم مهما كان فيقدم له الإفطار، ويدعى إليها جميع الناس دعوة عامة، وخاصة الفقراء والمساكين، حقا إنه التكافل في أوسع وأعظم صوره. إننا نرى في شهر رمضان موائد الإفطار تُقام في المساجد، تكفل بها المحسنون الذين يطلبون الخير من رب العالمين، فتعد الموائد للصائمين من دون أن يعلم من أفطر من أفطره، ومن دون أن يعلم من أعد المائدة من سيفطر عليها، إنها صورة مشرقة للتكافل والتراحم والتنافس في الخيرات، تؤلف بين القلوب، وتجمع النفوس على الإيمان، وهي كذلك صورة تُجسد الإخلاص، حيث يقدم الخير من دون رياء أو سمعة، وكيف لا وقد تعلم من صيامه الإخلاص لله ومراقبته له في السر والعلن. ترى في رمضان الغني والفقير يجلس كل منهما بجوار أخيه، في صورة مشرقة من التواضع والتآلف وتحقيق معنى الأخوة الإيمانية، جمعهم الإيمان ووحدهم الإسلام، فلا فرق بين عربي ولا أعجمي، تحقيقا لقوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات). فلا تبخل أيها المسلم في هذا الشهر على إخوانك الفقراء، فلك مثل أُجور من فطرتهم من مالك الحلال، لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين. فقال تعالى: «يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا» (الحج). واحرص أيها المسلم في هذا الشهر المبارك على صلة الأرحام، الفقراء منهم والأغنياء. وتذكر قول الله تعالى: «لن تنالوا البر حتى تُنفقوا مما تُحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم» (آل عمران: 92)، ويقول تعالى: «وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم» (المزمل: 20)، وروي أن بعض السلف -رضوان الله عليهم- كان إذا صام لا يفطر إلا مع مسكين، ومن صور التكافل في شهر رمضان إخراج المسلم زكاة الفطر، فهي طعمة للفقراء والمساكين، وكفارة للصائم من الرفث واللغو، كما جاء ذلك في الحديث عن عكرمة عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: فرض رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات. (رواه الحاكم). وفي وقت إخراج زكاة الفطر أقوال للأمة الأعلام أبو حنيفة، فيجوز في مذهبه إخراج زكاة الفطر من أول الشهر، وبناء عليه يجوز للمسلم إخراجها في أي يوم من أيامه، ولا يؤخرها بعد صلاة العيد، ومذهب الشافعي في وقت إخراجها ليلة العيد وقبل صلاة العيد، لذا يستحب على مذهبه تأخير صلاة العيد قليلا لإتاحة الفرصة لمن لم يخرج زكاة فطره، وهي تجب على كل من ملك فائضا عن نفقته ونفقة من يعول، ليلة العيد ويومه، وهي تجب على الذكر والأنثى والكبير والصغير والحر والعبد، يخرجها رب الأسرة، وقدَّرها الشرع بصاع من بُر (القمح) أو صاع من تمر، من غالب قوت البلد الذي يعيش فيه، والصاع يساوي بالوزن الحالي كيلوجرامين ونصف الكيلوجرام. وقد جاء ذلك في السنة، وفي أحاديث كثيرة تبين مقدار زكاة الفطر ووقتها، عن ابن عباسٍ: أمرنا رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) أن نُعطي صدقةَ رمضانَ عن الصغير والكبير، والحرِّ والمملوكِ، صاعًا من طعامٍ، من أدى بُرًّا قُبل منهُ، وهو: القمح، ومن أدى شعيرًا قُبل منه، ومن أدى زبيبًا قُبل منه، ومن أدى سُلتًا قبل منه. (رواه الذهبي في تنقيح التحقيق). والسُّلْت شبيهٌ بالشِّعير معروف عند العرب، الاشتقاق لابن دريد. ويجوز في زكاة الفطر إخراج قيمتها مالا يعطى للفقراء، كما هو مذهب أبو حنيفة، وبقية الفقهاء على إخراجها من غالب قوت البلد. فافعل أيها المسلم ما تيسر لك، وما تراه أنفع لإخوانك المسلمين من ذوي الفاقة والحاجة، وأخلص النية في عملك، حقا إنها دعوة للتكافل والتراحم والتعاطف الذي يقوي بنيان المجتمع، ويؤكد التواصل بين أفراده، حتى لا يتعرض المسكين والفقير لذل المسألة في يوم العيد وهو يوم فرح وسرور. واعلم أيها المسلم أن من أفضل ما تتقرب به إلى الله تعالى، وخاصة في يوم العيد، سرور تُدخله على قلب أخيك المسلم، فتقضي دينه، أو تُفرج كربه، أو تسد جوعه، وأقل ذلك السلام عليه ومصافحته والتقرب إليه، فإن فعلت فقد حققت الهدف من صيامك، ومن فرحة العيد التي جعلها الله مكافأة لصيامك وعبادتك في شهر كامل. يقول تعالى: «قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون» (يونس).
مشاركة :