جاسم النبهان: عشقت «الإنكليزية» من الراحل صالح شهاب صاحب الأساليب المبتكرة في التعليم (2- 5)

  • 5/25/2018
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

في الحلقة الثانية، يواصل الفنان القدير جاسم النبهان حديثه الشائق عن مرحلة الطفولة والدراسة، ومغامراته مع رفاقه في دخول البحر، لتأمين قوتهم اليومي من السمك، لأنهم لا يمتلكون إلا كمية قليلة من الأرز والتمر والخبز والماء، وكأنهم بذلك العمل، يقلدون الآباء والأجداد حينما ينتهي عملهم في الغوص لاستخراج اللؤلؤ مع غروب الشمس، ثم يتناولون طعام العشاء على السفينة، وهو مكوَّن من الأرز والسمك. كما استفاد من هذه المغامرات، في تعلم كيفية الاعتماد على الذات، وتطوير مهارات القيادة، والتعامل مع الآخرين، وتحمُّل المسؤولية، وتحسين قدرته على التواصل. وخاض النبهان، تجربة أخرى من خلال انتسابه إلى الكشافة البحرية، في مغامرة أخرى بارتياد البحر، والتدريب على مهاجمة العدو، لكن تكدُّس الكشافون في المركب في جهة واحدة أدى إلى انقلابه. كما انتقل النبهان للحديث عن مرحلة مطالعة الروايات، مثل "سجين زندا" و"مرتفعات وذرينغ"، إضافة إلى دور المربي الفاضل الراحل صالح شهاب في عشقه للغة الإنكليزية... حول أهم المحطات في حياته ومشواره الفني... كان لنا معه هذا الحوار. • ماذا عن مغامرات ركوب البحر؟ - كنا ندخل البحر بقاربنا الصغير، وقد انضم إلينا لاحقاً صديقنا غانم الماجد، على درب الآباء والأجداد، فهم قدوتنا، الذين برعوا في الملاحة والغوص، بحثا عن اللؤلؤ، الذي كان بجانب صيد الأسماك حرفة ومصدر رزق مهماً لكثير من الأسر. واستمرت مغامرتنا في اصطياد الأسماك، رغم قساوة حرارة فصل الصيف، لتأمين قُوتنا اليومي، وتلبية احتياجاتنا من الأسماك، كي تُطبخ، لأننا لا نملك إلا كمية قليلة من الأرز والتمر والخبز والماء، وكأننا نقلد آباءنا وأجدادنا حينما ينتهي عملهم في الغوص لاستخراج اللؤلؤ مع غروب الشمس، ثم يتناولون طعام العشاء على السفينة، وهو مكون من الأرز والسمك. • ماذا تعلمت من هذه التجربة؟ - لم تقتصر المغامرة على ذلك، فنحن لا نتعلم كيفية الإبحار بهذا القارب فحسب، لكننا نتعلم كيفية الاعتماد على الذات، وتطوير مهارات القيادة، والتعامل مع الآخرين، وتحمُّل المسؤولية، وتحسين قدرتنا على التواصل، حيث نبحر بقاربنا الصغير (كتر)، إما بواسطة الشراع، اعتماداً على الرياح التي تدفع سطح الشراع التي تنقل القوة إلى الشراع، ثم إلى القارب المثبت به الشراع، أو التجديف نحو بعض الجُزر الصغيرة، من بينها جزيرة أم النمل، التي تعود تسميتها إلى كثرة النمل فيها، وجزيرة الشويخ، وكانت تعرف أيضاً باسم القرين وعكاز، وهي جزيرة رملية موقعها الحالي المنطقة الحُرة وميناء الشويخ، واختفت معالمها، بسبب امتداد الميناء، وردم مياه البحر الفاصلة بينهما. وفي بعض الأحيان ندخل "الحظرات"، ومفردها "حظرة"، حيث تنصب من أعواد القصب لصيد الأسماك، بالقرب من الساحل، إذ تدخل فيها الأسماك ويصعب خروجها، وعندما ينحسر ماء البحر يأتي الصياد ويلتقطها بيده. • هل أثرت هذه المغامرات على مستواك الدراسي؟ - كنت حريصاً على التفوق في المدرسة، عبر المواظبة في الدوام، والمذاكرة بجدية، كذلك كنت متميزا أيضاً خارج المدرسة، بين أسرتي وفي الفريج، من حيث تحمُّل المسؤولية، ومثالي الأعلى أخي الرائع علي الخشتي. • لماذا انتسبت إلى الكشافة البحرية؟ - من الطبيعي أن يحظى فرع الكشافة البحرية باهتمام المسؤولين وتشجيعهم، حيث إن موقع الكويت الجغرافي، الذي يطل على الساحل بمياهه الهادئة، والتاريخ البحري الأصيل، يشجعان على الأخذ بهذا الاتجاه، إلى جانب أن الحركة الكشفية عامة كانت تمرُّ في نهاية الخمسينيات بفترة ازدهار ونهضة، وتحظى برعاية المسؤولين وتشجيعهم، فنال فرع الكشافة البحرية نصيبه الذي يستحقه من الرعاية والاهتمام. لذا انتسبت إلى الكشافة البحرية، حيث ارتدنا البحر في رحلة كشفية، وأثناء العودة تم تدريبنا على مهاجمة العدو، لكن تُكدس الكشافين في المركب في جهة واحدة أدى إلى انقلابه، ولشدة الرياح وبرودة الطقس بقوا على ظهر المركب فترة لا تقل عن خمس ساعات، أملا في إنقاذهم، وهذا ما حصل، بوصول قاطرة السفن، وهنا أصررت على سحب المركب كذلك، من خلال حبل صغير. أردت ورفاقي إصلاح المركب الذي تضرر كثيراً، إلا أن المدرسة أبلغتنا بأن تكلفة إصلاحه تتجاوز مئة دينار كويتي، وهو مبلغ كبير، وباءت محاولات إصلاحه بالفشل، رغم مساعدة نادي الشراع البحري، الذي تم تشييده في "ثانوية الشويخ"، فانقطعت الآمال في إصلاحه، ومن ثم توقفنا عن الرحلات الكشفية. إن الكشافة البحرية تبقى جزءاً لا يتجزأ من الحركة الكشفية العامة، وهي مهمة لتربية الشباب واستثمار أوقاتهم، وإكسابهم الصحة والقوة والعادات الحسنة وصفات الرجولة، من صبر وجَلَد ومثابرة، كما يظل حب البحر سارياً في دماء أبناء الكويت، بعد أن سطَّر آباؤهم وأجدادهم أكثر الصفحات نصاعة وإشراقا في ميدان الملاحة البحرية، وهذا ما جُبلت عليه، فحب البحر وعشقه عادة لم تنقطع. تلميذ ملتزم • هل كنت ملتزماً بحضور طابور الصباح؟ - نعم، كنت من التلاميذ الملتزمين بحضور الدوام المدرسي، وطابور الصباح، الذي يتم فيه تحية العلم، وفي تلك الحقبة الزمنية كان علم الكويت مستطيلا باللون الأحمر، وكُتبت عليه كلمة "كويت" في وسطه باللون الأبيض، واستمر حتى 23 نوفمبر 1961، وكان الطلبة يرددون: "الله، الوطن، الأمير"، أثناء رفع العلم، بعد ذلك يردد التلاميذ نشيدا، لتكون وجبتهم الصباحية الروحية التي يتعاهدون أثناءها على الوفاء للوطن، ويتعلمون قيم النظام والانضباط، لإعلاء حس الانتماء لديهم، بما ينعكس مستقبلا على عطائهم، فالمغزى من وراء ترديد هذه الأناشيد، هو بث روح الانتماء والولاء للوطن، من خلال كلمات تُشعل المشاعر الوطنية والحماسة. مدرسة عمر بن الخطاب • متى التحقت بمدرسة عمر بن الخطاب؟ - التحقت بمدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية، منذ عام 1953، وقد تعلمت خلال فترة دراستي على يد الكثير من المدرسين، الذين تميزوا بوعيهم الثقافي، من بينهم معلم مادتي الدين والحساب صالح النصرالله، الذي لم يبخل في تقديم النصائح القيمة إلى جانب التعليم، وفي عام 1956 عمل الشاعر يعقوب الرشيد سكرتيرا في المدرسة، وقد أضاف بدوره الكثير إلى التلاميذ، من خلال تجربته الثرية، ومخزونه الفكري. ومن الروايات التي كانت مقررة عليهم في حقبة الخمسينيات "سجين زندا"، التي تتناول قصة رودولف راسنديل، الشاب الإنكليزي الثري الذي سبَّب شبهه الشديد بالملك رودولف الخامس أحداثاً شيّقة تدور في ثنايا هذه القصة، التي هي واحدة من روائع الأدب العالمي، كتبها الروائي الإنكليزي أنتوني هوب، وكذلك رواية "مرتفعات وذرينغ"، التي تُعد من أعمدة الأدب الإنكليزي، وهي الرواية الوحيدة للكاتبة إميلي برونتي، نشرتها عام 1847 عن الحب والانتقام، ولا تزال هذه الرواية تحظى بشهرة واسعة حتى الآن. اللغة الإنكليزية • مَن مِن الأساتذة الذين يمتلكون أساليب مبتكرة في تلك الفترة؟ - تتلمذت على يد الأستاذ الراحل والمربي الفاضل صالح جاسم شهاب، في مادة اللغة الإنكليزية، بالمرحلة المتوسطة، وكان في الوقت نفسه يتردد على كثير من المدارس التي كان نُظارها يطلبون منه الحضور إلى مدارسهم، للاستفادة من خبراته في مجالات الأنشطة المدرسية، ومنها النشيد والتمثيل. ويمتلك شهاب الأساليب المبتكرة، لتجعل التلاميذ يحبون اللغة، إضافة إلى إلمامه بالمهارات الأربع لتعلم وتعليم اللغة الإنكليزية، وهي الاستماع، والتحدث، والقراءة، ثم الكتابة، وهذه الأسباب كفيلة بأن أعشق هذه اللغة منذ "المتوسطة" وإلى اليوم. ولعل من أهم ما حققه شهاب من خلال فكرة الترويح السياحي التي ترأس لجنتها (لُقب فيما بعد بعميد السياحة في الكويت)، تشجيع الحركة الفنية في الداخل، وخاصة الحركة المسرحية، إذ إنه طوال سنوات الترويح كان للحركة المسرحية دورها في هذا النشاط، وتنافست الفرق الأهلية الأربع، والفرقة الخاصة في تقديم عروض مسرحية اجتماعية وكوميدية هادفة، لم تستقطب جمهوراً كويتيا فحسب، بل إن عشرات الجماهير العربية، خصوصاً الخليجية، كانت تحضر هذه الأعمال التي تُقدَّم لها بأسعار مخفضة. وقد ساهمت الفرق الأهلية الأربع بعروض مسرحية شبابية قدمت من خلالها طاقات واعدة، ولم يكن المسرح هو الفن الوحيد الذي حظي بدعم الترويح السياحي، بل إن العديد من الفرق الشعبية والغنائية شاركت في هذه الفاعليات، وشهدت عروضها إقبالا واضحا، سواء التي قُدمت في صالات مغلقة، أو بالهواء الطلق. مدرسة الشامية • هل تعرفت إلى أصدقاء جدد بعد دخولك مدرسة الشامية المتوسطة؟ - التحقت بمدرسة الشامية المتوسطة، عندما انتقلت من منطقة القبلة إلى الشامية، وبعدها إلى خيطان، حتى حصل أخي علي الخشتي على منزل جديد في منطقة كيفان قطعة رقم 1، وكنت أذهب إلى مدرسة الشامية بالدراجة الهوائية، ومن رفاقي في تلك الفترة ابن عم أخي واسمه أيضا علي الخشتي، وعبدالرحمن الشايع، ومحمد الوزان. وفي ذلك الوقت كانت دائرة المعارف (وزارة التربية حالياً) تنشر نتائج المتوسطة، وكان ترتيبي 1010 على مستوى الكويت. الإذاعة المصرية أثرت على شخصيته وارتقت بذائقته الفنية تكونت شخصية النبهان والارتقاء بالذائقة الفنية منذ الطفولة، عبر استماعه إلى الإذاعة المصرية في خمسينيات القرن الماضي، وخاصة في شهر رمضان، من خلال جهاز الراديو، وهو من ماركة «بوش»، كان يمتلكه أخوه علي، لمتابعة «ألف ليلة وليلة»، وهو المسلسل الأشهر في تاريخ الإذاعة المصرية، من تأليف الشاعر الكبير الراحل طاهر أبوفاشا، وإخراج الإذاعي الرائد الراحل محمد محمود شعبان، الشهير بـ «بابا شارو»، وكذلك عديد من البرامج، بينها برنامج الأطفال «بابا شارو». فكان الراديو له الأثر البالغ في تثقيف المجتمعات خلال تلك الفترة، بأربعينيات القرن الماضي، حيث دار عديد من النقاشات حول بعض الأعمال البرامجية، ومنها «ألف ليلة وليلة»، مما حدا بالبعض إلى اقتناء أو شراء كتاب «ألف ليلة وليلة» من المقتدرين، ومن ثم يقرأه جميع الأصدقاء، وهو عامل تثقيفي رائع غير مباشر. يُذكر أنه في 3 أبريل 1934، غنَّت «كوكب الشرق» أم كلثوم، لأول مرة في افتتاح الإذاعة المصرية، وأقامت حفلات شهرية كانت تُبث على الهواء، كتقليد منتظم لمدة 40 عاما في الخميس الأول من كل شهر. وقد حرص أخو النبهان، علي، على متابعة حفلات أم كلثوم التي تبثها الإذاعة، ولأنه عاشق لفنها، فهي تتربَّع على عرش قلوب محبي الطرب العربي الأصيل، بصوتها العظيم، الذي جعلها تُلقب بـ «سيدة الغناء العربي» عن جدارة. وكانت حفلات أم كلثوم الشهرية قبلة لمحبيها، وملتقى عشاق صوتها الرائق الصافي. فكان النبهان يجلس مع أخيه وصديقه يستمعون إلى أم كلثوم، إذ تعكس تلك الأجواء مدى التذوق الفني الراقي لجيل تربّى على الأعمال الغنائية الأصيلة، وكان يحفظ كلمات هذه الأغنيات، وكذلك الألحان الجميلة. جسّد «حسن الأخرم» في «الحاكم بأمر الله» في عام 1957 انضم جاسم النبهان إلى فريق التمثيل، وذلك ضمن نشاط المسرح المدرسي بمدرسة عمر بن الخطاب، وشارك في أول مسرحية، وهي بعنوان «الحاكم بأمر الله الفاطمي»، من تأليف علي أحمد باكثير (كتبها ونشرها عام 1947)، وإشراف المخرج حسن عبدالسلام، الذي كان يعمل في إدارة النشاط المدرسي بدائرة «المعارف» (التربية)، الذي قضى سنوات قليلة في الكويت، حينما أسس إدارة المسرح المدرسي مع بعض زملائه المصريين. ومسرحية «الحاكم بأمر الله الفاطمي» تاريخية تراجيدية، تحكي قصة الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، وسر ادعائه الألوهية، وقد جسد النبهان في هذا العمل شخصية «حسن الأخرم». وشاركت المسرحية ضمن المسابقة السنوية على مستوى المدارس في الكويت.

مشاركة :