يزخر الأدب العربي بأعمال تمزج بين التحليل الاجتماعي والنفسي والطرافة، ومن أشهر تلك الأعمال التراثية كتاب "البخلاء"، لـ"الجاحظ"، ذلك الكتاب الذي روى فيه عن البخلاء الذين قابلهم، وعرفهم في بيئته الخاصة التي عاش بها، خاصةً في بلدة "مرو" عاصمة خراسان، وصور من خلاله هؤلاء البخلاء تصويرًا واقعيًا وحسيًا على نحو فكاهي طريف، فأبرز للقرّاء حركاتهم، ونظراتهم القلقة أو المطمئنة، ونزعاتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم، وكشف المواضيع التي تدور حولها مختلف أحاديثهم، وعكس نفسياتهم وأحوالهم جميعًا، ولكنه في النهاية يدفع القارئ إلى التعاطف معهم رغم كل أوصافه.وفي إحدى الطرائف التي رواها الجاحظ قال: اجتمع ثلاثة بخلاء وقرروا التبرع بجزء من مالهم بعدما ازداد كلام الناس بشأنهم، قال البخيل الأول: "سأرسم دائرة على الأرض وألقي بمالي في السماء، والمال الذي يقع داخلها هو لي، أما المال الذي يقع خارجها للفقراء"، وقال الثاني: "سأرسم خطًا على الأرض وألقي بمالي في السماء، والمال الذي يقع يمين الخط هو لي، أما المال الذي يقع يساره للفقراء"، فقال الثالت وكان أشدهم بخلًا: "أما أنا فسألقي بمالي في السماء والمال الذي يقع على الأرض هو لي، أما المال الذي يبقى في السماء للفقراء".