إن الإحسان في التعامل مرتبة إنسانية عظيمة، فما بالنا إذا كان من مسؤول العمل تجاه مرؤسيه، فهو دلالة واضحة على النبل والمروءة، وهذا ما ينسجم مع الهدي النبوي الشريف في مجال الإحسان إلى العاملين وعدم الإساءة إليهم بسبب حاجتهم إليه. وهذا بشكل عام هو ديدن التجار الكويتيين في أغلبهم ولله الحمد، وفي حالة العكس فالسوق يصفي نفسه، فالموظف يستقطبه التاجر الخلوق ذو المعاملة الحسنة، وينفر من العمل مع ذلك التاجر المسيء علاقته ومعاملته مع مرؤسيه. ولكن اللافت للنظر تجار متميزون في معاملة موظفيهم بشكل مميز، وهذا التاجر عبدالله العلي المطوع يضرب مثلاً رائعاً في هذا الباب. – فهو ابتداءً لا يمكن أن يستخدم المصطلح: «فلان يعمل عندنا» بل يستخدم «فلان يعمل معنا». – وكان يأمر موظفيه أن يكونوا صادقين بإبداء أي عيوب، لا سمح الله، في البضاعة المباعة، ولو كانت كشطاً بسيطاً بسبب النقل، ويدعوهم دائماً لأن يمثلوا القدوة الحسنة أياً كان مستواهم الوظيفي أو جنسياتهم، فقد كان يمثل لهم بحق الأسوة الحسنة. – وطوال أكثر من ثلاثة عقود لم يتقدم أي منهم بشكوى ضده مباشرة، أو في وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، أو لدى القضاء، ورغم ذلك من حقهم، بل كانوا يدعون له بطول العمر والبركة فيه لما يجدونه منه من إكرام وحسن تقدير. – وإذا كبر أحدهم وجاوز عمره السبعين أو حتى الخامسة والسبعين أجرى له راتبه ولم يقطعه عنه، قائلاً: «لقد أعطوني شبابهم فلن أخذلهم في شيبهم»، حيث لم يكن ينهي عقد أحد حتى يبادر صاحب العلاقة بالاستقالة بسبب الانتقال من العمل في الكويت إلى بلده الأصلي. وحتى في هذه الحالة كان رحمه الله يأمر إدارة الشؤون الإدارية لديه أن يعطوه تذكرة سفر ومبلغاً من المال للمساعدة، فضلاً عن مستحقاته الأصلية. وكم أوصل مساعدات مادية لأبناء المتوفين من موظفيه في بلادهم، ولا تزال تحمل سجلات الشؤون المالية بيانات بعضهم في الخارج مثل اليمن ومصر. ومن العجيب اللطيف أنه قبل إحدى سفراته العلاجية أرسل خطاباً (لا يزال أصله محفوظاص)، يستسمح فيه من كل الموظفين على اختلاف مستوياتهم الوظيفية، إن كان قد أخطأ في حق أحدهم، فيستميحه العذر، رغم كونه لم يخطئ بحق أحد البتة. كما كان من اللطيف أيضاً أنه كان يستمع إلى جميع شكاوى الموظفين بشكل مباشر، ويحاول حلها بنفسه غير معتمد على المدير العام رغم كونه اختصاصه، ولقد كان ينتهج سياسة الباب المفتوح مع موظفيه، حتى أن أحدهم إذا لم يستطع اللقاء معه في مكتبه صلى الظهر بقربه في المسجد أو المصلى وفاتحه بأمره فكان له ما يريد. فكان بحق نعم الأسوة الحسنة في التعامل. د. عبد المحسن الجارالله الخرافيajalkharafy@gmail.comwww.ajkharafi.com
مشاركة :