يجدر بالمثقف العربى أن يعرف طائفة من فلسفة جماعة إخوان الصفا وخلان الوفا، التى ظهرت بالبصرة خلال القرن الرابع الهجرى وقت ضعف سياسى، بينما كانت الفترة تعتبر نبوغا للفكر العربى والإسلامى فى الكثير من الفنون.وقد كتبوا عن الأخلاق فى رسائلهم وخصوها برسالة كاملة تناقش تلك القضية، والطفل عندهم يعتبر صفحة بيضاء قابلة للتشكل والتأثر بما حولهم وبما يقدم لها، وإصلاح الإنسان يكمن أولا فى إصلاح تربية الطفل، فالأخلاق كما يرون مركوزة فى الجبلة والخلق بمعنى «تهيؤ ما فى كل عضو من أعضاء الجسد يسهل به على النفس إظهار فعل من الأفعال، أو عمل من الأعمال، أو صناعة من الصنائع، أو تعلم علم من العلوم، أو أدب من الآداب، أو سياسة من غير فكر ولا رؤية».فالإنسان الذى هو خليفة الله فى أرضه مطبوع على قبول جميع الأخلاق والعلوم والصنائع، مع مراعاة الفروق الفردية بين الأشخاص فى التلقى وهذا ظاهر جدا فى الأفعال والأعمال، وترجع أسباب اختلاف الناس إلى «أربع جهات: أحدها من جهة أخلاط أجسامهم ومزاج أخلاطها، والثانى من جهة ترب بلدانهم واختلاف أهويتها، والثالث من جهة نشوئهم على ديانات آبائهم وعادات معلميهم وأساتذتهم ومن يربيهم ويؤدبهم، والرابع من جهة موجبات أحكام النجوم فى أصول مواليدهم».نحن نجد من يسكن الشرق ومن فى الغرب وفوق رؤوس الجبال ومن فى بطون الأودية والأغوار أو على سواحل البحار وشطوط الأنهار أو فى البرارى والقفار، أو فى الآجام؛ والأرض ذات الرملة والأرض السباخ؛ السهلة، أو فى البقاع الصخرية والحجارة والحصى والرمال، أو فى الأرضين السهلة والتربة اللينة بين الأشجار والزروع والبساتين والزهر والنور، وأيضًا فإن أهوية البلاد والبقاع تختلف وتؤثر فى الأخلاق.ولقد تعرض لتلك المسألة المؤرخ الكبير ابن خلدون فى مقدمته المشهورة وفصل فيها تأثير الهواء الحار على طباع الناس وتأثير الهواء البارد أيضا، وكيف ينفعلون ويغضبون ويفرحون وطريقتهم فى ادخار أطعمتهم ومدى توافق ذلك مع بيئتهم.ويدعون إلى تربية الناس على احترام عقائد الآخرين والتساهل مع الأديان، ونبذ التعصب لأن اختلاف الناس يشحذ الأفكار ويفيد الناس، حيث كل فريق يحاول أن ينصر مذهبه مما يدعوه إلى الغوص على المعانى الدقيقة، والنظر إلى الأسرار الخفية، فيكون ذلك سببا فى يقظة النفوس، ويكرهون الانشغال بعيوب الناس والأولى الاشتغال على عيوب النفس فهو أولى كما تدعو الصوفية فى سلوكها وتعاليمها، ويشددون على اختيار الصديق ونقده كما ينقد الصيرفى الدراهم لأن الصديق عندهم كالشجرة المباركة المثمرة.
مشاركة :