ورد في الرسالة الخامسة من رسائل "إخوان الصفا وخلان الوفا" المخصصة لمناقشة "الموسيقى"، أن رجلين اجتمعا في بعض مجالس الشراب واللهو، وبينهما ضغائن وأحقاد قديمة وكامنة، فلما دار الشراب بينهما ثار الحقد والتهبت نيران الغضب، ووثب كل واحد منهما ليقتل صاحبه، فلما أحس العازف بما قد يحدث بينهما، لعب على أوتاره ونغماته ضاربًا لحنًا لينًا ومسكنًا، واستمر في ذلك حتى هدأت سورة الغضب عنهما وقاما فتعانقا وتصالحا. تلفت "إخوان الصفا" إلى دور اللحن والموسيقى في تغيير مشاعر الإنسان، بل نجاحها في الانقلاب الحاد من مشاعر الغضب والكراهية إلى مشاعر الهدوء والاطمئنان لتصنع سلامًا في النهاية، فهي وإن كانت قادرة على إثارة الأحقاد والغضب فهي من وجه آخر تستطيع أن تحقق السلام. وعن مكانة أهلها تروى الجماعة الفلسفية أن جماعة من أهل الصناعة اجتمعوا لدى رجل كبير في قومه، فدخل عليهم إنسان رث الحال والثياب، فرفعه صاحب المجلس عليهم، وتسبب ذلك في انزعاجهم، فأراد أن يبين فضله ويسكن عنهم غضبهم، فطلب منه أن يسمعهم شيئًا من ًصناعته، فأخرج الرجل خشبات كانت معه فركبها ومد عليها أوتاره وحركها تحريكا، فأضحك كل من كان في المجلس من اللذة والفرح والسرور، ثم قلبها وحركها تحريكا آخر أبكاهم كلهم من رقة النغمة وحزن القلوب، ثم قلبها وحركها فسكنوا واطمئنوا وناموا جميعًا فقام وخرج من بينهم. وورد عن بعض الفلاسفة بحسب "إخوان الصفا" أن للغناء فضيلة يتعذر على المنطق إظهارها، لذا أخرجتها النفس لحنًا موزونًا. ونصح آخ فقال: احذروا عند سماعها من ثورة شهوات النفس البهيمية فتميل بكم عن سنن الهدى وتصدكم عن مناجاة النفس العليا. وظهرت جماعة «إخوان الصفا وخلان الوفا» بالبصرة في القرن الرابع الهجرى، في مرحلة من مراحل نبوغ الفكر الفلسفى الإسلامى، مستهدفة عملية التقريب بين الأديان والمذاهب، وتحاول تقديم تفسيرات دينية بفهم فلسفى عميق، حيث استفادت الحركة من عدد واسع من المصادر منها: القرآن الكريم والسنة النبوية، والأناجيل، وأقوال السيد المسيح، وقصص أنبياء بني إسرائيل، الحكم والمواعظ والفلسفات الموروثة، والأشعار، وكتب الأقدمين في مختلف الأديان؛ لتكون محاولتهم هى "التظافر للسعى إلى سعادة النفس عن طريق العلوم التى تطهر النفس".
مشاركة :