قد يعتقد البعض أن مجرد ممارسة شخص ما العمل السياسي أو الخوض فيه سيجعل منه سياسياً بحيث يفهم المبادئ الأساسية لمفهوم السياسة، وهذا الاعتقاد خاطئ، ولا علاقة له بمفهوم العمل السياسي ومبادئه، ولذا نرى تدهور العمل السياسي بصورة ممنهجة وواضحة، حيث ساهم في هذا التدهور كل من السلطة والتيارات السياسية ومرتزقة السياسة الذين جعلوها وسيلة لتحقيق الثراء. وكل ما نراه اليوم لا يمكن بحال من الأحوال اعتباره عملاً سياسياً، لفقدانه أبسط مفاهيم السياسة ومبادئها، بل الأغرب من ذلك أن ما نراه هو امتهان العمل السياسي لتحقيق مكاسب شخصية وكأن السياسة أصبحت مشروعاً تجارياً مربحاً لا خسارة فيه، الأمر الذي جعل الكثير يختار هذا الطريق لسهولة جني الأموال من خلاله. لقد ساهمت السلطة بقصد أو بغير قصد في خلق منظومة تسمى مجازاً بمنظومة سياسية وهي منظومة فاسدة تمتهن العمل السياسي دون خبرة أو معرفة لأبسط معاني السياسة، وشاركها في التدهور التيارات السياسية، سواء كانت موالية لها أو معارضة، كما نشأت مجاميع جديدة بعضها لا ينظر إلى العمل السياسي إلا على أنه طريق الثراء السريع فامتهن السياسة وجعلها عملاً تجارياً مربحاً يحقق من خلاله ما لا يمكن تحقيقه من الأموال في العمل التجاري، ولنا في ذلك أمثلة من شخصيات عدة فشلت في تجارتها، فلجأت إلى السياسة لتعوض خسارتها وتحقق الأرباح دون عناء. وهنا يجب أن تعي السلطة والتيارات السياسية أن ما تقومان به مخالف للعمل السياسي بل مدمر له، وهو الأمر الذي جعل الفساد ظاهرة غير مستغربة ومنتشرة بصورة مخيفة، وإن استمر الحال هكذا فستكون العواقب وخيمة على الوطن والمواطنين وعلى مستقبل العمل السياسي الحقيقي الذي من أهم مبادئه رفاهية المجتمعات، وذلك بالعمل على إرساء السلام والمساواة بين البشر، فالعمل السياسي يتمحور بخاصة حول تطبيق هذه المبادئ عملياً بغية التوجّه بالبشرية نحو مستقبل أفضل ينبذ التسلّط الفردي المطلق والأنانية الضيّقة والمكاسب الشخصية. يعني بالعربي المشرمح: ما نشاهده على الساحة لا يمكن بحال من الأحوال اعتباره عملاً سياسياً، بل هو تدمير ممنهج للعمل السياسي، والاستمرار على هذا النهج سيولد ثقافة سياسية فاسدة ومدمرة لدى الأجيال القادمة اعتقاداً منها أن ما يمارس اليوم هو العمل السياسي والوطني، وهو أمر مخالف لواقعه، مما يستلزم السرعة في إنهاء هذا العبث قبل فوات الأوان.
مشاركة :