سبق أن كتبت عن الفساد وخطورته، كما سبقني الكثير من الزملاء، ولأن ظاهرة الفساد المنتشرة أقرت بها الحكومة واعترفت بوجودها، فمن الواجب عليها وعلى أعضاء السلطة التشريعية إيجاد حلول صارمة للقضاء على هذه الظاهرة قبل فوات الأوان. فالكثير يعتقد أن الفساد إداري أو مالي، وهو أمر تجده في معظم دول العالم، ولا تكاد دولة تخلو منه، في حين فسادنا سياسي، وهو أخطر أنواع الفساد على الإطلاق، خصوصا أن علاجه يكمن بيد النخب السياسية صاحبة النفوذ والقرار، الأمر الذي يجعل علاجه صعب المنال في ظل انشغال أعضاء تلك النخب بالتناحر فيما بينهم، واستغلالهم للنفوذ الذي يتمتعون بها لإنجاز انتصارات شخصية على حساب الوطن ومستقبل أجياله. لذلك نرى تأخر التنمية وتدهور العمل الإبداعي وتخلف الخدمات العامة في شتى المجالات، وغياب سلطة القانون وعجز الديمقراطية في الرقابة والتشريع وانعدام الحرية والرأي، واختفاء النقد الإصلاحي وانعدام الرؤية المستقبلية وبرامج تحقيقها، فتسير الأمور وكأنها وقتية متروكة للعوامل التي قد تحدث، فتغير المسار دون مبادرة أي من أطراف السلطة وأصحاب النفوذ. ولأن فسادنا سياسي مع سبق الإصرار والترصد فإننا لم نشاهد أي عقوبة قد طبقت على أصحاب الفساد الإداري والمالي، فلم يسجن سراق المال العام ولا تجار الأغذية الفاسدة، ولم يعزل وزير أو وكيل لاستغلال نفوذه بتعيين أقربائه وأصحابه، كما لم نر محاسبة المسؤولين على هدر أموال الدولة دون حاجة، أضف إلى ذلك لم نسمع بمعاقبة مقاول فاسد غشّ في عمله وتجاوز شروط العمل، كذلك أصبح النقد والرأي مجرّمين ويعاقب أصحابهما بالسجن، وأصبحت الصحف ومواقع التواصل الاجتماعي مراقبة، وظهرت مجاميع مرتزقة لضرب الوحدة الوطنية خدمةً لأصحاب النفوذ والنخب السياسية، الأمر الذي جعلنا في حالة من اللا منطق واللا سياسة واللا حكمة. يعني بالعربي المشرمح: الفساد الذي نعيشه فساد سياسي نتج عنه فساد مالي وإداري واجتماعي بسبب نخب سياسية وأصحاب نفوذ متصارعين لأهداف شخصية بعيدة كل البعد عن المصلحة العامة، ولا يمكن معالجة هذا النوع الخطير من الفساد دون وجود سلطات دستورية واعية ومدركة خطورة ما يجري، حيث لا علاج يمكنه القضاء على داء الفساد الإداري دون أن يتقبله المريض ويهيئ نفسه ليشفى منه.
مشاركة :