للذكاء ميزة تجعل المتصف به يميز بشكل واضح بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع، بعكس المتصف بالغباء الذي لا يميز بين واقعه وإمكانياته ونشوة المكابرة والعناد التي تلازمه، وهاتان الصفتان (الذكاء والغباء) موجودتان داخل كل المخلوقات، بشراً أو حيوانات، فالثعلب مثلاً يتصف بالدهاء والمكر رغم حجمه الصغير، بينما الحمار هناك من يصفه بالغباء والسذاجة، لذلك فإن صفتي الذكاء والغباء ليستا فقط للإنسان، فجميع المخلوقات لها نصيب منهما، حيث إنهما تتعلق عادةً بالحياة اليومية وكيفية تسييرها للأفضل أو الانحدار بها إلى الأسوأ والأخطر. ولأن السياسي أحد تلك المخلوقات فمن الطبيعي أن يتصف بإحدى هاتين الصفتين، فإما أن يكون سياسياً ذكياً يتعامل مع واقعه بعقلانية وفطنة، وإما أن يكون غبياً ويتصرف بغبائه ليدمر كل ما حوله، فقط لشعوره بأنه قادر على فعل المستحيل، ومن أهم أشكال الغباء السياسي العناد والمكابرة وعدم الاكتراث بالواقع وحقائقه، والرفض الدائم بتشدد ودون منطق مقبول، وعدم قبول الحوار وسماع الآخر، لذلك تجد أن معظم مَن يتصفون بالغباء السياسي وينتهجون طريقة العناد والمكابرة ينتهي بهم الأمر إلى الهلاك. ومعظم ما نراه اليوم في الواقع العربي، سواء على مستوى الأنظمة أو المعارضة، يمتاز بالمكابرة والعناد، وعدم قبول الآخر واستخدام سياسة القوة والبطش، إلى درجة جعلت الشعوب تقبل سياسة الغباء التي تُمارس عليهم، وهو الأمر الذي أسقط أنظمة وأفشل دولاً ودمر اقتصاداتها وتاريخها ومؤسساتها، وأحدث الفوضى التي نراها اليوم بشكل غير مسبوق، وفقاً لمبدأ "أنا ومن بعدي للطوفان" متخذاً العناد والمكابرة منهاجاً له. يعني بالعربي المشرمح: الذكاء السياسي أن تكون مرناً تتعامل مع واقعك بعقلانية، ومع الحدث بحكمة، فلا تكون صلباً فتُكسَر، أو ليّناً فتُعصر، فمن الغباء أن تكابر وتعاند أمراً قد يكون سبباً في هلاكك وتدمير مستقبلك.
مشاركة :