من أجمل الكتب التي قرأتها عن اليابان هذان الكتابان: «كتاب الشاي» لأوكاكوزا كاكوزي (1862-1913) وكتاب «الكيمونو، تاريخ حديث» لمؤرخة الفن اليابانيّة تيري ساتسوكي ميلهاوبت(1959-2012)، وساتسوكي تحيلُ في كتابها كثيرًا إلى كتاب «الشاي» لكاكوزي بوصفه واحدا من أبرز المرجعيات التي عادت إليها. والكتابان يجمعهما ذلك الاشتغال على الأنظمة والتمثيلات الثقافيّة للأشياء؛ فكاكوزي كان معنيًا بالاشتغال على خطاب سجاليّ دفاعيّ طويل جدًا ضد ما أسماه خطاب الغرب الاستعلائي المشوِّه لليابان في حقبتي أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، وهو الخطاب الذي أراد اختزال اليابان فقط في ثقافة الساموراي العسكرية المحاربة، والنظر إليها على أنها بنية مجتمع منغلق جدًا ثقافيًا. لقد اجتهد كاكوزي في بيان الخصوصيات الثقافية اليابانية لذلك اتخذ من الشاي اليابانيّ علامة وتمثيلا ثقافيًا دالا على التحوِّلات الكبرى الطارئة على المجتمع اليابانيّ آنذاك، كما أنَّه اتخذ من كوب الشاي اليابانيّ والطقوس المتعلقة به تمثيلا كذلك على الفلسفات اليابانيّة العميقة وعلى رؤية الإنسان اليابانيّ للكون من حوله. تقول ساتسوكي في مقدمة كتابها «يجسِّد الكيمونو _بهيئته الخارجية المعروفة على شكل حرف T، وكميه الواسعين الفضفاضين، وقطعتي القماش الرأسيين المنسدلتين من أعلى الكتف_ دولة اليابان: الحقيقيّة والرومانسيّة؛ المألوفة والأجنبية. وعادة ما يمثل الكيمونو، في المخيلة الشعبيّة، اليابان الخالدة التي لا يطالها التغيير، وتسيّرها التقاليد. ولكن، كيف نشأت فكرة أنَّ الكيمونو هو الزيّ اليابانيّ الوطني، ومتى؟ ولماذا يرتبط الكيمونو على هذا النحو الوثيق الصلة بالجسد الأنثويّ لا الجسد الذكوري؟ وأي عملية تلك التي أدّت إلى تحوُّل الكيمونو من ثوب يُرتدى يوميًا إلى أيقونة ورمز لدولة اليابان؟». لقد استقصت ساتسوكي في هذا الكتاب كلَّ ما يتعلق بالكيمونو من دلالات تاريخيّة واجتماعيّة وسياسيّة واقتصادية منذ أقدم العصور في اليابان انتهاء إلى العصر الحديث الذي شَهِدَ عودة قوية لارتداء الكيمونو ولكن في سياقات ثقافيّة جديدة. لقد بيّنت ساتسوكي سرديات الكيمونو الكبرى في تاريخ اليابان، وبيّنت كذلك عصور ازدهاره وعصور اضمحلاله ثقافًيا، وبيّنت أيضًا كيف نستطيع اختزال اليابان في زيّ هو الكيمونو فالأزياء هي في نفسها علامات ثقافية كبرى ومؤسِّسة لخطابات ثقافيّة في غاية الأهمية. تذكر ساتسوكي أنَّه في عصر النهضة اليابانيّة الحديثة المؤرخ لها بعهد الإمبراطور الميجي كانت زوجة الإمبراطور تميل إلى ارتداء الثوب الياباني «الكيمونو» في العقود الأولى من حكم زوجها، خلال الفترة من 1868-1886، ولكونها بعد هذا التاريخ أُغرِمَتْ بالفساتين ذات النمط الغربيّ، واستمرت دائرة تأثيرها لتشمل نساء الأسرة الإمبراطورية، ووصيفاتها وزوجات المسؤولين الحكوميين. وتذكر ساتسوكي أيضًا أنه عندما تشكَّلت حكومة الميجي عام 1868 تلاشت الهرمية الاجتماعيّة لحقبة إيدو التي كانت تقسم المجتمع الياباني إلى نظام الطبقات الرباعيّ (الساموراي، والمزارعين، والحرفيين، والتجار)، لتفسح بذلك المجال لنظام اجتماعيّ أكثر إنصافًا نسبيًا، استهدفت فيه الحكومة الجديدة إلغاء التمييز الطبقي. وكان ارتداء الإمبراطور الميجي للملابس الغربيّة الطراز بمثابة إعلان إلى استعداد اليابان للتخلي عن أنماط الثياب التقليدية لصالح الموضات الغربيّة، والرغبة في الانفتاح على العالمية. يشهد ارتداء الكيمونو الآن في اليابان محاولات كثيرة من أجل إدماج اليوميّ والاستثنائيّ في الكيمونو، ومن خلال إتاحة المجال لأي شخص في ارتداء الكيمونو وفق الطريقة التي يريدها ودون التقيد ببروتوكول ارتدائه وطقوسه القديمة. يقول يوجي ياماموتو«فقط ارتدِ الكيمونو بالطريقة التي تناسبك، إنَّه مجرد كيمونو(أي مادة تُرتدى)، اصنعه بطريقتك.. اجعله بأسلوبك الخاص).هذا الكتاب الجاذب والعميق جدا «الكيمونو، تاريخ حديث» لتيري ساتسوكي ميلهاوبت من إصدارات مشروع كلمة الإماراتيّ للترجمة ومن ترجمة مروة هاشم ومراجعة الدكتور أحمد خريس. * أستاذة السرديات والنقد الأدبي الحديث المساعد، كلية الآداب، جامعة البحرين.
مشاركة :