يشتغل كتاب (الرواسب الإفريقيَّة في الثقافة الشعبيَّة التونسيَّة) لأمين بن أحمد الزواري على دراسة الرواسب الإفريقيَّة في الثقافة الشعبيَّة التونسيَّة من خلال مفردات الطقس، ورمزية العلامة السطمبالي سيدي منصور بصفاقس التونسيّة. وطقس السطمبالي هو طقس احتفالي موسيقي يتميّز بتعدد الإيقاعات، وبارتكازه على مجموعة من الشعائر التي تمزج بين المضامين الدنيوية والمضامين المقدَّسة. إنَّ أهمية كتاب (الرواسب الإفريقيّة في الثقافة الشعبيّة التونسيّة) تكمن في تبيُّن قواعد العيش المشترك في تونس وأصوله وفروعه، وخاصة مراحله ومنعطفاته ومنعرجاته التي تعد فيه الموسيقى والغناء ومختلف مظاهر الاحتفال الديني والدنيوي أحد المرتكزات الأساسية التي تجسّر الفجوات وترمّم الفضاء الاجتماعي، وما يعتريه من صراعات وتناقضات ومفارقات مبنية على أساس العرق أو الجنس أو الدين. كما تكمن أهميته كذلك في الاشتغال الميداني على تجميع مادة أثنوغرافية توثيقية خاصة بمجتمع السود في الجنوب التونسي، وتحليلها بمقاربات منهجية حديثة لاستنطاق خطاب الطقس الاحتفالي الإفريقي الأسود (سطمبالي سيدي منصور). طبق الباحث مقاربة منهجية متضافرة من علم التاريخ، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والإثنولوجيا، والأنثروبولوجيا، واشتغل على خطاب الهامشيين في الثقافة الشعبيّة، وهو خطاب ثقافي شفاهي متعلق بالثقافة الشعبيّة السوداء وأنساقه الرمزية التي تحيل إلى خصوصية الفاعلين الاجتماعيين والثقافيين ضمنها. إنَّ هذا الكتاب يحاول استقصاء ما يتوارى وراء الفعل اللغوي وغير اللغوي من أبعاد تاريخيّة وأنثروبولوجية ورمزية متعلقة بهوية السطمبالي، وبوجوده التاريخي وبعمقه الثقافي والاجتماعي؛ منطلقة من لغة الطقوس ممثَّلة بالجسد الراقص وامتداداته الموسيقية، وسائر المفردات الرمزية وعناصر الفرجة التي تؤثِّث العرض الاحتفالي. وتصدر أهمية هذا الكتاب أيضًا في تبيُّن المثاقفة الحضارية والتأثير والتأثُّر في النظر إلى الطقس الاحتفالي (سطمبالي سيدي منصور) على أنَّه خطاب ثقافي شعبي ذو مرجعيات متعدِّدة من الخصوصية الفنية الإفريقية في الآلات والرقص والطقوس والإيقاعات، ومن المرجعية التونسية العربيّة الإسلاميّة بما في ذلك الطقوس الصوفية. يتألف الكتاب من أربعة محاور تمثل فصول الدراسة ومنها: الهوية الإثنية للزنوج الأفارقة: من الطبيعي إلى الثقافي، والسّطمبالي: من التراث الإثني إلى الثقافة الشعبيّة، والطقس الاحتفالي للسّطمبالي: دلالاته وأبعاده. إنَّ هذه الدراسة تشتغل على مداخل تاريخية متعلقة بتمثيلات السود في الثقافة العربيّة ثم يأتي المحور الميداني التوثيقي الأثنوغرافي الذي تتبع الفعل الطقوسي (سطمبالي سيدي منصور)، ومحاولة البحث في أطرافه وعناصره وتمظهراته. لقد استنطق الباحث هذا الطقس الاحتفالي الشعبي ذا الرواسب الإفريقيّة لدراسة ما هو جماعي، وتأويل ما هو مشترك متكرر من الطقوس. كما درس الباحث كذلك الوسائط غير اللغوية مثل الآلات واللباس والقناع والألوان. وقد خلص في دراسته إلى بيان مظاهر المثاقفة؛ أيّ رصد مظاهر التحوّل في موسيقى السطمبالي من الثقافة «الإثنية» إلى الثقافة الشعبيّة، حتّى أصبحت شكلاً تعبيريًا له مكان مخصوص في خارطة الثقافة الشعبيّة التونسية. وباتت في تفاعل جدليّ مع الواقع السوسيو ثقافي الجديد، بدليل امتزاج موسيقى السطمبالي بتجارب إبداعيّة متنوعة. تصدر هذه الدراسة عن منهجية نقدية متماسكة جدًا تجمع بين أدوات المنهج الإثنوعرافي في إطار وصف العرض الفرجوي ومكوناته للإحاطة بمختلف عناصر المشهد الاحتفالي (سطمبالي سيدي منصور)، كما اشتغل الباحث كذلك على آليات تحليل الخطاب ومنهجيات التفكيك والتأويل في ضوء معطيات المقاربة السيميولوجية؛ لاستكشاف الدلالات الرمزية التي تنطوي عليها العلامات وكذلك البناء الفني والجمالي في هذا الطقس. هذا الكتاب من المقاربات العربيّة المهمة التي تربط بين الموسيقى الشعبيّة والمنهجيات النقدية لتباين تضافر الموسيقي مع الثقافي في إطار خطاب واحد أشمل. { أستاذة السَّرديات والنقد الأدبيّ الحديث المشارك، كلية الآداب، جامعة البحرين.
مشاركة :