رؤية أوباما للقوة الأميركية - عبدالجليل زيد المرهون

  • 12/5/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

تُعد المؤسسة العسكرية الأميركية الأكثر تطوراً على صعيد عالمي بمعيار العناصر الكلية للقوة. وتضم هذه المؤسسة مليوناً ونصف المليون عسكري، إضافة إلى 700 ألف مدني، يعتمدون على قاعدة صناعية، يرتبط بها أكثر من 3.8 ملايين أميركي. وكان الرئيس الأميركي، باراك أوباما، قد كشف في الخامس من كانون الثاني يناير 2012 عن الملامح الرئيسية لاستراتيجية عسكرية جديدة، ترتكز على ثلاثة محاور، بينها المحافظة على التفوق النوعي الأميركي في مقابل القوى الدولية الأخرى. وأعلن أوباما يومها عن استمرار الجهود اللازمة للقضاء على "أنظمة الحرب الباردة التي عفا عليها الزمن"، كي يتسنى للولايات المتحدة الاستثمار في القدرات التي تحتاجها مستقبلاً، بما في ذلك الاستخبارات، والمراقبة والاستطلاع، ومكافحة الإرهاب، ومواجهة أسلحة الدمار الشامل. رؤية أوباما هذه كانت قد أخذت طريقها في المراجعة النووية الجديدة للولايات المتحدة، التي أعلنها في السادس من نيسان أبريل 2010، التي أكدت على أن الولايات المتحدة لن تجري أية تجارب نووية، ولن تعمل على تطوير رؤوس نووية جديدة، ولن تقوم بمهمات عسكرية جديدة، أو بناء قدرات جديدة للأسلحة النووية. وتُعد مراجعة العام 2010، أول مراجعة للسياسة النووية الأميركية منذ سنة 2001، والثالثة منذ نهاية الحرب الباردة.  وكان أوباما قد صرح قائلاً: "أعتقد بحزم أن بإمكاننا ضمان أمن الولايات المتحدة وحلفائنا. والحفاظ على ردع قوي ضد أي تهديد. والسعي لإجراء مزيد من التخفيضات في ترسانتنا النووية.. بإمكاننا أن نقول بثقة إن لدينا أسلحة نووية أكبر مما نحتاجه". رؤية أوباما هذه كانت قد أخذت طريقها في المراجعة النووية الجديدة للولايات المتحدة، التي أعلنها في السادس من نيسان أبريل 2010، التي أكدت على أن الولايات المتحدة لن تجري أية تجارب نووية، ولن تعمل على تطوير رؤوس نووية جديدة، ولن تقوم بمهمات عسكرية جديدة، أو بناء قدرات جديدة للأسلحة النووية وقد تحركت الولايات المتحدة، منذ وقت مبكر، باتجاه تطوير استراتيجية تنطوي على "توازن فعّال" بين القوتين التقليدية والنووية. وقد تطلّب الأمر إعادة النظر في العقيدتين التكتيكية والعملياتية، في ضوء القدرات النووية الأميركية وقدرات عدو يمتلك أسلحة نووية. وفي التاسع من نيسان أبريل 2014، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن الولايات المتحدة ستقوم بتحويل ثلاثين من قاذفاتها النووية، وستقلص عدد المخابئ والأنابيب القاذفة للصواريخ في غواصاتها. وينوي البنتاغون إلغاء القدرة النووية في ثلاثين من قاذفاته الاستراتيجية من طراز "B-52H"، بحيث يكون دورها تقليدياً فقط. كذلك، سيتم إفراغ خمسين مخبأ من أصل 450، يحوي كل منها صاروخاً باليستياً عابراً للقارات، على أن تزود كافة الصواريخ رأساً نووياً واحداً. ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فإن عدد الرؤوس النووية، الاستراتيجية والتكتيكية، في العالم يبلغ 16350 رأساً، كما هو مسجل في العام 2014. وقد توزعت هذه الأسلحة على النحو التالي: روسيا (8000)، الولايات المتحدة (7300)، فرنسا (300)، الصين (250)، بريطانيا (225)، باكستان (حوالي 120)، الهند (حوالي 110)، إسرائيل (حوالي 80) وكوريا الشمالية (حوالي 8). وتمتلك الولايات المتحدة الأسلحة النووية منذ العام 1945، وروسيا منذ عام 1949، وبريطانيا (1952)، فرنسا (1960)، الصين (1964)، الهند (1974)، إسرائيل (1979)، باكستان (1998) وكوريا الشمالية (2006). وفي حوزة الولايات المتحدة قرابة أربعة آلاف رأس نووي استراتيجي، فيما تمتلك روسيا ثلاثة آلاف أو يزيد قليلاً. وبموازاة قدراتها النووية، بدت القدرات الجوية للولايات المتحدة وقد دخلت طوراً جديداً بإعلان البنتاغون أن سلاح الجو الأميركي يعتزم إدخال مقاتلات (F-35) إلى الخدمة بحلول منتصف العام 2016، أي قبل عام من الموعد الأصلي. وتنتمي هذه المقاتلات إلى الجيل الخامس من الطائرات الحربية. وتعتبر المقاتلة (F-35) أكثر الطائرات الحربية مستقبلية في العالم، إذ يتطلع لاقتنائها عدد كبير من الدول. ويمتلك الأميركيون في حوزتهم حالياً مقاتلة الجيل الخامس الثقيلة (F-22)، التي تعد أولى نماذج هذا الجيل. وقد دخلت هذه المقاتلة الخدمة في القوات الأميركية في كانون الأول ديسمبر من العام 2005، إلا أن الولايات المتحدة لم تصدّر أياً منها إلى الخارج حتى اليوم، بسبب حظر قانوني خاص. ولم يدخل إلى الخدمة حتى الآن، على صعيد عالمي، أي نموذج آخر لمقاتلات الجيل الخامس. وتستمر الولايات المتحدة كذلك في إنتاج عدة طائرات حربية حديثة، منها المقاتلة ( F-15E Strike Eagle)، بهدف التصدير، والمقاتلة (F-16C) للتصدير أيضاً، والمقاتلة (F/A-18E) للقوات الأميركية والتصدير الخارجي. ومن بين أهم طائرات القوات الأميركية أيضاً القاذفتان الاستراتيجيتان بعيدتا المدى (B-2) و (B-52)، ومقاتلة الشبح متعددة المهام (F-15SE (Silent Eagle)). وتعمل لوكهيد مارتن، كمصنع رئيسي للمقاتلة الجديدة (F-35)، بالتعاون مع شركتي (Northrop Grumman & BAe Systems - USA). وهناك نسخة بحرية لهذه المقاتلة، يُمكن لقائدها التحليق بشكل عمودي شبه كامل من على حاملات الطائرات. وتعتبر لوكهيد مارتن، شركة رائدة في صناعة الطائرات الحربية والصواريخ، والأجهزة الإلكترونية الدقيقة وتقنيات الفضاء. وهي تنتج المقاتلة متعددة المهام (F-16 Fighting Falcon)، والمقاتلة متعددة المهام أيضاً، وذات المحرك الأحادي (F-2) العاملة حالياً لدى القوات اليابانية. كما تنتج المروحية الحربية المضادة للغواصات (MH-60R)، التي تخدم في عدد كبير من دول العالم، وطائرة الإمداد والتزود بالوقود جواً الشهيرة (C-130). وقد حصلت لوكهيد مارتن على طلبيات شراء للمقاتلة (F-35) من كل من كندا وبريطانيا وإيطاليا، وهولندا والدنمرك والنرويج، وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا وإسرائيل، إضافة للولايات المتحدة ذاتها. ويعكس قرار البنتاغون تسريع إدخال مقاتلات (F-35) إلى الخدمة رغبة الجيش في بدء استخدام هذه المقاتلات. وسيدفع هذا القرار بقدرات الجيل الخامس من المقاتلات الحربية إلى الصفوف الأمامية، ويرسل رسالة ثقة للشركاء الدوليين. ويلتزم سلاح مشاة البحرية بخطته لبدء الاستخدام الأولي لطائرات (F-35)، التي تقلع وتهبط مثل طائرات الهليكوبتر، بحلول منتصف العام 2015. وسيكون بذلك أول الأسلحة الأميركية الثلاثة استخداماً للمقاتلة الجديدة. أما البحرية الأميركية فسوف تبدأ في منتصف العام 2018 استخدامها لطائرات (F-35- C)، المصممة للانطلاق من على متن حاملات الطائرات. وعلى الصعيد البحري، شهدت الاستراتيجية البحرية للولايات المتحدة تطوّرات كبيرة في الفترة التالية للحرب العالمية الثانية، وخاصة في العقدين السادس والسابع. وقد مثل الانتشار حول العالم ركناً ثابتاً في هذه الاستراتيجية. وجرى خلال ذلك التأكيد على الربط بين القوة البحرية والتطلعات الجيوسياسية للدولة العظمى، الأمر الذي أولد إصراراً على المضي في تنمية هذه القوة بمعزل عن أية تحديات مالية، قد تفرض نفسها على البلاد. ومنذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، ركزت الخطط الأميركية، بصورة خاصة، على البحر الأبيض المتوسط والمحيطين الهادي والأطلسي. أما التواجد الدائم في المحيط الهندي فقد حدث في سنوات لاحقة. وكرست الولايات المتحدة جهودها، منذ ثمانينات القرن العشرين، للسيطرة على الممرات البحرية الستة عشر الأساسية في العالم، على النحو الذي يضمن لها محاصرة القوى البحرية المعادية أو المنافسة، وإغلاق الملاحة في وجه الدول الأخرى في زمن الحرب. وقالت المراجعة الدفاعية الأخيرة التي أعلنها الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة ستحافظ خلال العقد القادم على وجود 11 حاملة طائرات لإدامة تفوقها البحري. وعارض الرئيس أوباما أي خفض في هذا الأسطول، بسبب ما اعتبره حاجة إلى وجود ما يكفي من قوة أميركية في المحيط الهادي، تكون بمثابة ثقل موازن للصين. ويبلغ عدد السفن الحربية لدى الولايات المتحدة في الوقت الراهن 2384 سفينة، بينها 11 حاملة طائرات، كما سبقت الإشارة، و59 مدمرة و75 غواصة و30 فرقاطة و14 كاسحة ألغام. وفي إطار استراتيجية الرئيس أوباما الخاصة بآسيا، جرى رفع القدرات الهجومية والاستطلاعية، ومنظومات الدفاع متوسط المدى، للأسطول السابع الأميركي، المعني بمنطقة المحيط الهادئ. وترابط للولايات المتحدة في مياه هذا المحيط ثماني غواصات نووية مزودة بصواريخ باليستية، و28 غواصة نووية أخرى، وثلاث حاملات طائرات عاملة بالطاقة النووية. وتحتفظ الولايات المتحدة بثلاث غواصات نووية في جزيرة غوام، التي تقع على ملتقى خط الولايات المتحدة – المحيط الهندي، وخط اليابان - أستراليا، حيث يُمكن إرساء الأساطيل الضخمة فيها، وإقلاع وهبوط القاذفات الاستراتيجية بعيدة المدى من طراز(B-2) و B-52). ولهذا يعتبر الأميركيون قاعدة غوام بمثابة "السور البحري العظيم" في قلب المحيط. وما يُمكن قوله خلاصة: هو أن الرئيس أوباما قد نجح في إعادة صياغة القوة العسكرية الأميركية على نحو يستجيب لتطورات الأمن الدولي، واتجاهاته الراهنة.

مشاركة :