تعد جرائم الاتجار بالبشر أحد أكبر التحديات في مجال حقوق الإنسان، لكونها تمس كرامة الإنسان وحريته بأسوأ أشكال الاستغلال وفي السنوات الأخيرة، توالت الجهود والمبادرات العالمية لمكافحة هذه الجريمة، مثل البروتوكول العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، والاتفاقية الدولية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية التي تتضمن مكافحة ومنع ومعاقبة تهريب الأشخاص والاتجار بالبشر. ولكن تبقى هذه الجهود والمبادرات غير كافية أمام انتشار جرائم الاتجار بالبشر وتضاعف عدد الضحايا، ولأن الوقاية خير من العلاج، تعتمد الدول والحكومات والمنظمات غير الحكومية على حملات الوقاية والتوعية، باعتبارها إحدى الأدوات الأساسية لدعم جهود مكافحة هذه الجرائم البشعة. وقد حظيت إنجازات دولة الإمارات وجهودها في مكافحة الاتجار بالبشر بتقدير العديد من المنظمات الإقليمية المختصة، خاصة تجربتها الرائدة في إقامة مراكز لإيواء ضحايا الاتجار بالبشر من النساء والأطفال والخدمات المتميزة التي تقدمها هذه المراكز للضحايا من رعاية متكاملة في مختلف الجوانب الصحية والنفسية والقانونية! وفي العام المنصرم أطلقت «أم الإمارات» سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيسة الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية المشرف المباشر على مراكز إيواء ضحايا الاتجار بالبشر، استراتيجيتي الأمومة والطفولة وتعزيز حقوق أصحاب الهمم 2017- 2021 لتكونا إيذاناً بوضع البرامج والخطط التنفيذية لهما بما يؤهل الأمهات والأطفال لممارسة حقوقهم والمضي بها قدماً خدمة للوطن وأبنائه جميعاً. ولقد كانت الاستجابة السريعة من الدولة واعتمادها الاستراتيجيتين بما يدل على اهتمامها بهاتين الفئتين المهمتين في المجتمع وضرورة فتح المجال أمامهما للانطلاق نحو المستقبل بكل ثقة. وفي كلمتها بيوم الطفل الإماراتي تقول سموها: «إن الأم التي تعلم أبناءها قواعد السلامة الصحية تنطبق عليها صفة المثالية، وهي إلى جانب هذه الرعاية ترضع أبناءها حب الوطن وتزرع فيهم قيم الانتماء لترابه، وتدفع بهم إلى إعلاء شأنه أصحاء معافين جسدياً ووجدانياً، فهي تنشئ أبناء قادرين على الذود عن وطنهم ومجتمعهم بكفاءة واقتدار.. ومهم عندي هو أن أرى الأطفال يعيشون سعداء، وأن المجتمع الذي لا يشعر الأطفال فيه بالسعادة وهناء الطفولة هو مجتمع به خلل ما؛ لهذا أتمنى من كل أم أن تحرص على جعل بيتها واحة سعادة لأطفالها، ولن يتحقق ذلك بمجرد الأمنيات، بل لا بد من الوعي بأن المهمة الأولى للأم قبل أي مهمة أخرى هي رعاية وتربية أطفالها لأنها أقدس غاية وأنبل هدف».. مثنية على المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الذي نفذ برامج منوعة عدة لصالح الطفل إيماناً منه بأنه يستحق كل رعاية وعناية فهم أطفالنا وفلذات أكبادنا وجيل المستقبل الذي يجب إعداده جيداً، والذي لا بد من تهيئة كل الظروف المناسبة له وإيجاد البيئة الطيبة التي تسهل على الأم تربية وتنشئة ابنها بطريقة سليمة. وقد قدمت سموها تبرعاً سخياً لصالح عدد من ضحايا الاتجار بالبشر من أصحاب الهمم من الذكور، الذين تم إيواؤهم بمراكز ضحايا الاتجار بالبشر، والذين أذنت المحكمة المختصة بنظر قضيتهم أخيراً بشأن إمكانية عودتهم إلى وطنهم بعد صدور الحكم في قضيتهم.. وذلك في سبيل تمكينهم من بناء حياة جديدة. وقد ثمنت مراكز «إيواء» تبرع سموها الذي كان له عظيم الأثر في بث الأمل والتفاؤل في نفوس هذه الشريحة من الضحايا وتخفيف معاناتهم ليعودوا إلى أوطانهم وكلهم ثقة في بدء حياة أفضل.. مؤكدة أن هذا ليس جديداً على سموها، والتي دأبت على مؤازرة الضحايا لتخطي محنتهم وتلبية متطلبات الحياة الأساسية لهم بما جادت به أيادي سموها البيضاء من خلال تملك مشاريع صغيرة أبدوا رغبتهم فيها لتلبية احتياجات أسرهم، ولتبعد عنهم شبح الوقوع في براثن المتاجرين بالبشر مرة أخرى.. ولقد كشف التقرير السنوي للجنة الوطنية لمكافحة جرائم الاتجار بالبشر 2017 الذي أطلقته وزارة الخارجية والتعاون الدولي، أن محاكم الدولة، وفي العام الماضي تصدت لعدد من قضايا الاتجار بالبشر، بموجب القانون الاتحادي رقم 51 لسنة 2015، في شأن مكافحة جرائم الاتجار بالبشر بلغت 16 قضية. وبلغ إجمالي الضحايا في تلك القضايا 28 ضحية، فيما بلغ عدد المتهمين 48 شخصاً. وكما هو معلوم أن دولة الإمارات تعد من طلائع الدول العربية التي بادرت بإعداد أول قانون خاص بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر، مع أن المادة 346 من قانون العقوبات الاتحادي رقم 3 لعام 1983 تنص على تحريم هذا النوع من الأفعال. لقد استطاعت دولة الإمارات أن تحقق أعلى المراكز في مؤشرات التنمية البشرية بفضل سياساتها التنموية في الجوانب الصحية والتعليمية والحماية الاجتماعية، والمشاركة للمرأة والطفل.. في ترجمة لاستراتيجية الدولة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، التي قال فيها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله: «إن الاهتمام بالأمومة ورعاية الطفولة من أولويات صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، والقيادة في دولة الإمارات، فهما الأساس لتحقيق التنمية المستدامة والشاملة للدول، والضمان لاستدامة الأوطان والشعوب». كاتبة إماراتية
مشاركة :