إجتاحت جنود هتلر أوروبا في بداية الحرب العالمية وقامت البحرية الألمانية بإغراق جميع السفن المحملة بالعتاد، والقادمة إلى الجزيرة البريطانية من الولايات المتحدة، كانت خسائر الجيش البريطاني فادحة بسبب جهاز "الإنيجما" الذي اخترعه الألمان لتحويل الأوامر العسكرية إلى «شيفرة» غير قابلة للاختراق، و كان الجيش و الإدارة البريطانية في حيرة من أمرهم لعدم معرفتهم بخطط العدو. إلى أن أتى أستاذ رياضيات بريطاني غريب الأطوار.. " ألان تورينج" وصرح بأنه سيخترع جهاز مضاد لفك شيفرة الإنيجما، و قام البطل بكتابة خطاب لرئيس الوزراء وقتها "ونستون تشرشل" ، وكانت المفاجأة بعد أيام.. عندما عين تشرشل هذا البطل على رأس الفريق المسؤول عن فك الشيفرة !! وبذلك يكون "تورينج" قد ساهم في إنقاذ بلاده من إحتلال محقق، وأنقذها من حرب ضروس. و الشاهد هنا، أن المجازفة في اتخاذ قرار مبني على إيمان مطلق بالعلم قد يكون الغاية المطلوبة لهزيمة جيش بأكمله. حتى الآن نحن نسمع ألآف التفسيرات بشأن منظمة «داعش»، كيف قامت؟؟ و من الأيادي الخفية التي تحركها ؟؟ وهنا تظهر المشكلة !! غياب العلم عن تفسير ظواهر كثيرة من حولنا، رغم توفر المواد اللازمة من مراكز أبحاث، و مئات المتخصصين في تحليل السلوك والتنقيب عن الأدلة. للأسف المجتمعات العربية لا تتبع المنهج العلمي، بل تعتمد على الحدس والتخمين و الصدف و الكلام المنقول. و في كل مرة تصطدم بعقول للأسف تقتنع بالخرافة، وتميل إلى تصديق تفسيرات غير منطقية، فتقع شعوبها في وحل الخراب والفاقة و الإنقسام. في حين أنه لو تم تأسيس منشأة بحوث متخصصة في إتخاذ القرارات العربية المصيرية، عوضا عن الإعتماد على العاطفة، ستكون القرارات مدروسة وأكثر عقلانية. اليوم يعاني العرب في أكثر من مكان من قرارات إرتجالية غير مبنية على حقائق العصر، فأوصلت الشعوب من سيئ إلى أسوأ، و الأمثلة حولنا كثيرة. الإيمان بأهمية العلم الحديث قضية حضارية، مجتمعنا للأسف يزدري العلم ويحوله إلى مفهوم تراثي مصحوب بثقافة مضادة تعم الفضائيات. بعد الهزيمةالنكراءعام 1967، كتب المرحوم "أحمد بهاء الدين" كتابا ملخصه أن الهزيمة حدثت بسبب بعدنا عن العلم. قيل لصدام حسين؛ "إن طائرة الشبح لا يرصدها الرادار.. فضحك ورد لأن الراعي يستطيع أن يراها !!". و لمناحم بيجن قول مشهور؛ "أنا أؤمن بالتوراة، وأضع ثقتي في الفانتوم". كما كررنا كثيرا كالببغاوات قول موشي ديان؛ "إن العرب قوم لا يقرأون" وقد أصاب. للأسف!! نحن أمة إقرأ ولكنها لا تقرأ..
مشاركة :